واثق الجابري
مواصفات وكتلة أكبر
لعلنا نقف على أعتاب مرحلة تحول كبيرة، في طبيعة التعاطي مع الديموقراطية، وتحديد علاقة الحاكم بالمحكوم، وبنفس السياق إعتقاد وممارسات، تظن أن جميل المفاهيم يمكن أن يعطي نفس النتائج في كل زمان ومكان، حتى أن بعضنا إعتقد إن المجتمعات يمكنها الإنسلاخ عن تاريخها وعقائدها، ولكن عندما تصل الى المحك تظهر كل الأشياء معادنها.
النتائج التي كنا نتوقعها، وحسب ما أشارت المادة الخامسة من الدستور العراقي، بأن الشعب مصدر السلطات، ولكن هذه المصدرية مستمدة أيضاً من الدستور نفسه، وبدونه لابد للتفكير بطريقة أخرى، تستمد شرعيتها من تصويت الشعب من أقصاه الى أدناه، لإيجاد آلية للتداول السلمي للسلطة، ومتى يستخدم الشعب سلطته وأين تقف حدوده.
هناك فرق كبير في طبيعة التعاطي مع الحكم، وفرق كبير بين الدكتاتورية والديموقراطية في أدوات الحكم ومصدر السلطات، وفي الأول مصدرها أقلية تحكم أغلبية وتستخدم ما متاح من قوة بما فيها القمع لفرض وجودها بتلك القوة، والثانية فهي حكم الأغلبية وإختيار من يمثلهم، ولا يتوقف دور الشعب بالإنتخابات، ويمكن هنا ما لا يمكن في الأولى من حق التظاهر والإحتجاج، وتغيير الأدوات الحاكمة بالوسائل السلمية.
جدليتنا في العراق على من سيشكل الحكومة، ودارت التفاسير حول مفهوم الكتلة الكبرى، وفي كل مرة تشارك جميع القوى بتشكيل الحكومة، ولا توجد كتلة أصغر منها، ومن يشترك هو من يعارض، بقناعة أن ليس كل ما يحدث بقناعتها التامة، وهكذا إنقسمت قناعات الشعب، فيما لم يفكر بالذهاب للمعارضة، سوى كتلة وقليل من النواب، وتدعي كتلة سائرون ان لديها 54 من بين 329 مقعداً وأنها الكبرى أو الأكثر عددا، بينما الواقع، لم تكن القائمة العراقية في 2010م بـ 98 مقعداً ولا دولة القانون في 2014 بـ 101 مقعد، نعم كل منهم كان الأكثر بين أقرانه، ولكن لا أحد يشكل الأغلبية التي تستطيع تشكيل حكومة دون تحالفات.
إن الواقع العراقي اليوم، وإستقالة الحكومة تحت التأثير الإحتجاجي؛ أشبه بإقالتها من أغلبية من يمثل سلطة الشعب، وبهذا ينتهي مفهوم الكتلة الكبرى الذي تشكلت على أساسه الحكومة، ويبدأ الشروع بكتلة أغلبية تستطيع تمرير الحكومة القادمة، ومن لا يدخل هذا التحالف عليه الذهاب الى المعارضة في الخارطة الجديدة، وتعد الحكومة هي من يمثل أغلبية الشعب، مع الأخذ بوجهة نظر الشارع المحتج، وفتح جسور تواصل، لإيجاد حلول مشتركة لحين تشكيل حكومة قادمة.
يبقى الأهم كيفية المواءمة، بين شعب رافض لكثير من الممارسات السياسية، وإدارة الدولة بهذا الشكل، الذي لم يعط فرص عادلة للتمثيل الشعبي، وبين الواقع الذي يفرض إختيار رئيس الوزراء من البرلمان.
واقعاً أن معظم الإحتجاجات، سواء من خرج الى ساحات التظاهر، أو ممن إعترض ضمناً، ولكنهم مع التداول السلمي للسلطة وضمن سياقات الدستور والقوانين النافذة، وهنا القوى السياسية تختار رئيس وزراء، تعتقد أنه يلبي مطالب الجماهير، وهذا ما يتطلب وجود قيادات للتظاهر، كي تتفاهم مع القوى السياسية، لإيجاد برنامج حكومي ضمن سقوف زمنية محددة، والتركيز على البرامج أكثر من الأشخاص، وبما ان جميع القوى السياسية والشعبية متفقة، على أن الحكومة القادمة أشبه بالإنتقالية، وتعد لإنتخابات مبكرة، فأن التشدد الكبير في مواصفات رئيس وزراء لن يصل بنا الى نتيجة.