أوربا لا تنام حتى تطمأن على مجسّات الفقر.. لماذا؟

عدنان أبوزيد

صوتها : بغداد

اندلعت الاحتجاجات في العراق، وكان أحد أسبابها البطالة، والفقر. في مقالي السابق استعرضت وسائل الدول المتقدمة في الحد من البطالة، وكيف تتزاحم الحكومة ومؤسسات الدولة على خفض معدلاتها، لما لها من خطورة شديدة على الاستقرار.

في الدول ذات التجارب الناجحة، لا تقل جهود محاربة الفقر، عن مثيلتها في توفير فرص العمل، كما انّ الاحصائيات الدقيقة عن معدلات الفقر، والمراصد الحية التي تقيسها، والمجسات التي تستقرئ خطورتها، على درجة من الاعتبار، لتأمين قواعد بيانات لبرامج التصدي لهذه المشكلة الاجتماعية.

يحدث كل ذلك، على الرغم من ان أطوار الفقر في دول أوربا الغربية – مثالا لا حصرا- ليست في حالاتها الدنيا، والفقير فيها “متمكّن” من الحصول على لوازم الحياة الأساسية، فيما ينحصر الاكتراث بتوفير متطلباته التي تعزز العيش الكريم الموجود أصلا، وتساعد المعوز على ابتكار الوسائل وتمكينه من انتهاز فرص العمل، لكي يتخلص نهائيا من اعتماده على رواتب الضمان الاجتماعي التي توفرها الدولة له، فضلا عن ان المحتاج في الدول الغربية، يمتلك السكن والضمان الصحي، والراتب، ومع كل ذلك ينال من الاهتمام والرعاية، الشيء الكثير، فيما “فقير” الدول النامية ومنها العراق، يجسّد الحرمان بمعناه الحقيقي، ويعني الانسان المعدم الذي تجسّده صور في الشحاذة والسؤال في الطرقات، والنوم على الأرصفة بلا سكن، فيما في الدول الغربية المتقدمة، يدخل في قواميس الفقر حتى أولئك الذين لديهم رواتب شهرية، ولا يعانون من الإملاق، ولديهم السكن اللائق، لكنهم يشتكون من ديون لا يقدرون على سدادها، وقس على ذلك.

أحد أسباب الفقر في العالم هو تمركّز الثروات بين فئة قليلة من الأشخاص، ووفق تقرير لمنظمة أوكسفام الدولية فإن نحو ثماني دولارات من كل عشرة دولارات جنيت العام 2017 ذهبت إلى 1 في المائة من البشر، وهم الأغنى في العالم.

هذه الأمر يجب ان تنتبه له الحالة العراقية، وان تعمل الجهات المختصة على التقليل من الفروقات في الدخل، طالما

ان العراق يمتلك اقتصادا ناميا ويسعى الى تجربة تنتفع من أخطاء التجارب التي سبقته لاسيما تلك التي شيدت دول الرفاه في العالم لاسيما دول أوربا الغربية ذات الاقتصاد الرأسمالي الناجح الذي وظّف اقتصاد السوق بطريقة اشتراكية، وناجز الفقر الفاحش، والثراء الفاحش على حد سواء بواسطة تشريعات تضمن توزيع الثروات بصورة عادلة، وهو قاعدة غابت عن التخطيط الاقتصادي والاجتماعي في العراق، منذ عقود طويلة، حيث التفاوت الكبير في معدلات الدخل، بين من يتقاضى دخلا يصل الى نحو الأربعة الاف دولار شهريا، على أقل التقديرات، ولا يدفع ضريبة عليها، ومواطن لا يزيد دخله على المائتي دولار.

أرقام مكتب التخطيط الاجتماعي والثقافي (SCP) في هولندا، تفيد بان الفقير في البلاد، هو الفرد بمعدل دخل بنحو 1135 يورو، و للزوجين دون أطفال هو 1555 يورو وللأزواج الذين لديهم طفل واحد 1850 يورو، ولك ان تتأمل معنى “الفقر” الذي يبدو “رمزيا”، في هذه البلدان.

كتاب “السياسيون والصراع ضد الفقر”، لمؤلفيه “جيمس مانور” و”نجوجونا نجيتي” و”ماكوس أندري ميلو”، يفصح عن حقائق مرعبة عن أرقام عن الفقر في العالم، اذ لم يزل 783 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر الدولي المحدد بـ1.9 دولارا يوميا، فيما عُشر سكان العالم وأسرهم كانوا يعتاشون على أقل من 1.9 دولار يوميا في العام 2016.

العراق الذي يواجه احتجاجات الفئة المعدمة، والشباب العاطل، يجب ان يحزم أمره في منهج الشفافية، وتحسين إدارة الموارد وتنويعها، والابتعاد عن البيروقراطية في التعامل مع الفقراء وتعقب مصادر الفساد، الذي يعد الآفة الكبرى المضيعة للأموال في الدول التي تفتقر الى نظام محكم.  

شاهد أيضاً

(الاولاد تحت رحلة التكنلوجيا الحديثة)

نورا النعيمي التكنولوجيا الحديثة لها تأثير كبير على الأطفال، سواء كان ذلك إيجابياً أو سلبياً. …

error: Content is protected !!