بعد استقالة عبد المهدي.. اين المنادين بالإصلاح؟

محمود الحسيني

لو استرجعنا شريط الاحداث، وقيمنا مواقف الكتل السياسية من استقالة عادل عبد المهدي، سنكتشف ان هذه المواقف متباينة وبعض الأحيان في غاية الغرابة، لكن قسم منها أيضا في غاية الصراحة.
ورغم هذه المواقف المتباينة، الا ان الملاحظ ان الجميع على مستوى كتل وشخصيات، ينتقدون عادل عبد المهدي وحكومته لأنها لم تقدم الخدمات للشعب العراقي ولم تعالج الفساد، وكأن الفساد شبح ولا تعرفه هذه الكتل ولا تعرف شخوصه او جغرافيته التي يتحرك فيها.
فكل هذه الانتقادات المنطلقة من الكتل السياسية وشخصياتها، لم تنطلق من حرص هذه الكتل والشخصيات على الشعب العراقي، انما يحاولون إيصال فكرة للمتظاهرين والشعب العراقي، بان كامل المسؤولية تقع على عاتق عبد المهدي، وليس على عاتقها، وهي من تملك وزراء فاشلين فاسدين ومدراء عامين ودرجات خاصة.
والان، بعد اعلان عبد المهدي الاستقالة من الحكومة، تعيش الكتل وضعا محرجا، لان الكرة انتقلت من ساحة عبد المهدي الى ساحة هذه الكتل السياسية، فهي لا تستطيع حاليا ان بمجرد المحاولة بتحميل الحكومة المسؤولية، ولا تستطيع ان تتخلى عن امتيازاتها او حل احزابها لإصلاح وضع البلد، بل انها ستنشغل بترشيح شخصية ضعيفة لتمرير امتيازاتها والمحافظة على مناصبها، وهذا الامر سيزيد السخط عليها من قبل المحتجين، وبهذا فأنها سوف تدخل البلد في دوامة لا يعرف خطورتها الا الله سبحانه وتعالى.
ان مواقف هذه الكتل والشخصيات الحقيقية ستنكشف امام الشعب العراقي، فمن كان ينادي بالإصلاح وكان يحاول صرف نظر الناس عن فساده ويطالب باستقالة عادل عبد المهدي، سوف يفشل بان يخبئ الفاسدين من كتلته بعد ان زالت شماعة (عبد المهدي).

مواقف غريبة:
رغم ان التظاهرات انطلقت من الجمهور الشيعي ومن المحافظات الشيعية تحديدا، الا أبناء شعبنا السنة من أبرز المؤثرين في التظاهرات والاحتجاجات، وخرجوا لها كعراقيين بغض النظر عن انتمائهم المذهبي، وهذا هو سر عظمة هذه الاحتجاجات التي تحمل الهوية العراقية بكل ما تحمله هذه الهوية من عزة ورفعة واباء.
الغريب بالموضوع، ان القيادات السياسية السنية، حاولت ان تعطي انطباع للرأي العام العراقي والعالمي، بان هذه التظاهرات هي مشكلة، بين الحكام (الشيعة) والجمهور الشيعي، بدعوى ان المحافظات السنية لا تخرج باحتجاجات في مناطقها. وهذا الموقف هو مجحف بحق السنة انفسهم.
الموقف الغريب الاخر، هو موقف كتلة “المعارضة” وبالتحديد تيار الحكمة، الذي يبدو انه لم يكن يعارض حكومة عبد المهدي ، بل يعارض كل موقف يقف بالضد من مصالحه. فموقف هذه الكتلة، من اكثر المواقف غرابة بعدم سماحها لعبد المهدي وحكومته بالاستقالة!
اما تحالف (سائرون)، فهذا يحتاج الى مجلد كامل للحديث عنه، فهو يدعو الى الإصلاح، ويملك في الحكومة والحكومات السابقة، مناصب عليا ووزراء (خدميون) ودرجات خاصة أكثر من أي كتلة على الاطلاق، مع هذا يدعو الى استقالة الحكومة التي هو اكبر مشارك فيها، لكنه لا يدعو الى استقالة او اقالة اعضاءه ، فلا تعرف هل هو مع الحكومة او ضدها ؟ وهو اكثر تحالف حاول رمي المسؤولية الكاملة على عبد المهدي لصرف نظر الناس عن مسؤوليته بتشكيل هذه الحكومة واختيار عبد المهدي لرئاستها!

مواقف صريحة
اكثر موقف صريح وواضح، هو الموقف الكردي، فالكرد قالوها بصراحة، ان هذا النظام الجديد هو من اكبر المكاسب القومية والاقتصادية للإقليم، وانهم غير مستعدين للتخلي عنه، واعلنوا تمسكهم بعبد المهدي لانهم يرون منه انه يرضي طموحهم.
الموقف الصريح الاخر، هو موقف تحالف النصر، فرغم ان هناك الكثير من الملاحظات التي ابداها عدد من المراقبين على طريقة تعاطي رئيس التحالف حيدر العبادي مع الحكم في الحكومة السابقة، الا ان موقف النصر من هذه الحكومة كان واضح، مارس فيه المعارضة بشكل حقيقي، فتخلى عن الوزارات والدرجات الخاصة، ولم يملك أي قشة في الحكومة الحالية.

موقف متباينة
وهذه المواقف تخص المرجعيات الدينية (سنية وشيعية)، فهناك مرجعيات دينية دخلت الى قلب الحدث وتبنت مواقف صارمة وانحازت كليا مع مطالب الشعب، وهذا موقف ديني ووطني يحسب لها، في حين ان هناك مواقف لبعض المرجعيات الأخرى غريبة ومتباينة، فهي تعلن وقوفها مع مطالب الناس، لكنها لا تطلب ان تصدر الحلول من الشعب نفسه، انما تطلب الحلول من الأحزاب التي خرج الشعب ضدها.

نهاية القول
ان العراق يمر بفترة هي الأصعب عبر تاريخه، وان فرص انزلاقه قائمة للأسف الشديد، وان خلاصه من هذه الازمة مرتبط بكل عراقي، ان كان على مستوى السلطة في البلد او على مستوى الشعب العراقي والمتظاهرين تحديدا.
كما ان على الأطراف التي تراهن على استخدام منطق القوة مع المتظاهرين عليها ان تعي، ان هذا المنطق غير مفيد، بل سيزيد من سخط الشعب العراقي، وعليها ان تعي ان هذا الشعب هو شعب عشائري، لا يقبل بالظلم او الحيف ولا يمكن ان يترك حقه.
لذا الامر يحتاج الى حكمة بالتعامل، ونعتقد ان الحكمة تكمن تحقيق مطلب واحد، وهو (السهل الممتنع)، ويتعلق بالاتفاق على شيء واحد بسيط يمكن ان يرضي الناس في بادئ الامر وتهدئتهم، قبل الانتقال الى المسائل المصيرية المتعلقة بتعديل الدستور ورسم صورة جديدة للحكم في العراق، والحل يكمن بـ (منح حصة من النفط لكل مواطن عراقي)، لإشعاره بانه حصل على حقه، فلو تم الاتفاق وتنفيذ هذا المطلب، سيكون امام العراقيين القائمين على الحكم فسحة كبيرة لإصلاح ما تم كسره.

شاهد أيضاً

خداع الروابط: وهم العلاقات الزائفة”

‎في عالمٍ يُشبه المتاهة، حيث تتشابك الطرق وتتقاطع المصالح، تغدو العلاقات الإنسانية مرآة تعكس لنا …

error: Content is protected !!