صوتها: تحقيقات
حامد عبد حسون
“أنت مصابة بالسرطان” عبارة صارت تسمعها العشرات وربما المئات من النساء على لسان طبيب غير مبالٍ، فالمهنة التي يزاولها اكسبته نوعا من الجلد والعزيمة على نطقها بشيء من الشفافية الممزوجة بالشفقة وزرع بصيص امل في شفاء يطول او يقصر، بحسب ما تيسر من الدواء ومن الصبر والمطاولة والقدرة على مواجهة المرض وهزيمته.
اما هي (حواء) فقد تبدو حزينة ومستسلمة حين ينزل الخبر على مسامعها كالصاعقة، وقد تكون قوية وشجاعة ومقبلة على الحياة بطريقة مغايرة لحياتها السابقة وتبدا رحلة جديدة من التصدي والمعالجة والقوة خاصة اذا وجدت من يساندها سواء داخل الاسرة او خارجها، وكل ذلك يعتمد على توفر الادوية اللازمة لمواجهة المرض الخبيث.
وقد حمل التقرير الذي أعده المركز القومي للإحصاء في العراق في العام 2012 المرسوم ” الرجل والمرأة في العراق إحصاءات تنموية” للمدة من 1998 ولغاية 2009 في طياته الكثير من رسائل التحذير الشديد في وجوب الإسراع باتخاذ خطوات جادة لوقف زحف هذا المرض الخطير الذي ارتفع مؤشرات الاصابة به الى ارقام مخيفة بعد ان كان غائبا دائما عن ساحة الأمراض العراقية .
قد أظهر التقرير ارتفاعات عالية في عدد حالات المصابين بأمراض السرطان في المدة بين 1998 إلى سنة 2009 بتسجيل 4259 حالة في العام 1998 في حين تصاعد شدة الاصابة ليتم رصد 8050 حالة عام 2009 و بمجموع إصابات بلغ ( 54834 ) ، كان سرطان الثدي المتصدر في اصطياد فرائسه من الجنس اللطيف .
ويعزو التقرير السبب في ارتفاع عدد الاصابات بالمرض إلى انتشار الإشعاعات بعد الحروب والتلوث وقلة العناية الصحية والوعي الصحي وإهمال المجال الصحي والأمراض السرطانية.
ويحتل سرطان الثدي المرتبة الاولى في الأمراض السرطانية من حيث نسبة الاصابة، بنسبة تقدر بـ 36.1 % من حالات الاصابة التي سجلتها وزارة الصحة العراقية، وبمعدل اصابة امراة واحدة بسرطان الثدي من كل ثلاث اصابة سرطانية مسجلة.
اصابة امرأة كل يومين في 2005 الى 18 اصابة كل يومين في 2016
ويشير التقرير السنوي للتسجيل السرطاني للعام 2016 الذي أصدره مجلس السرطان في العراق الى ازدياد عدد الاصابات بمرض السرطان منذ العام 2005 ولغاية 2016 ، عن الرجال وازدادت إصابات النساء من عام 2005 بنسبة حوال 2 % اي ( 162 ) اصابة جديدة عن الرجال في حين بلغت فرق الإصابات في العام 2016 نسبة كبيرة 28 % ( 3168 ) بزيادة فرص إصابة النساء بالسرطان عن الرجال من إصابة امرأة واحدة خلال يومين في 2005 الى 18 اصابة امراة خلال يومين في العام 2016 عن الرجال.
سرطان الثدي زائر ثقيل في خريف العمر
وتشير تقارير التسجيل السرطاني الذي يصدره مجلس السرطان في العراق الى ان الفئة العمرية للنساء الممتدة بين الخامسة والأربعين والتاسعة والأربعين 45 – 49 هي الاعلى معدل إصابة بسرطان الثدي عام 2010 باصابة بلغت 576 امراة في حين كانت الفئة العمرية 50-54 هي الاكثر تعرضا للاصابة بمرض سرطان الثدي بمعدل اصابة 4922 امرأة حسب التقرير السرطاني للعام 2016.
ثلاث نساء حضريات مقابل ريفية واحدة
وحسب تقرير تقديرات السكان الصادر من الجهاز المركزي للإحصاء فإن المناطق الحضرية التي تشكل نسبة 73% قياسا بمعدل الاصابة في الريف والبالغة 27% في عموم محافظات العراق اي بمعنى اصابة حوالي ثلاثة نساء حضريات مقابل ريفية واحدة. اما العاصمة بغداد فحسب تقرير التسجيل السرطاني للعام 2010 تتصدر اعلى معدل اصابة بسرطان الثدي للنساء بتسجيل 1137 اصابة، تلتها الموصل بــــ 344 ، في حين حلت كركوك بالمركز الثالث بتسجيل 153 إصابة، في حين تشير إحصاءات العام 2016 الى ان بغداد مازالت تحتفظ بمقدمة الترتيب بتسجيل 1661 اصابة، اما البصرة فسجلت 427 اصابة واربيل 278.
الاصابة بسرطان الثدي في ازدياد
وبعث تقرير تقديرات سكان العراق حسب الفئات العمرية الخمسية والبيئة والجنس للأعوام من 2015 -2030 الذي أعده الجهاز المركزي للإحصاء في طياته رسائل خطيرة عن ارتفاع تقديرات السكان من حوالي 26 مليون نسمة سنة 2016 الى حوالي (51 ) مليون نسمة في العام 2030 وبالتالي توقع ارتفاع نسبة الاصابة بسرطان الثدي من حوالي خمسة الاف الى حوالي سبعة الاف، فضلا عن ذلك وفيات مرض سرطان الثدي من 875 حالة وفاة في العام 2016 الى 1214 وفاة من جراء مرض سرطان الثدي عام 2030 باعتماد اعلى نسبة حملها تقرير التسجيل السرطاني للعام 2016 بسرطان الثدي للنساء والتي كانت 4.79 لكل 100 ألف نسمة من السكان النساء.
السرطان.. اختلفت الاسباب والموت واحد
بحسب ما ذكر في احصائية الموقع الالكتروني لوزارة الصحة، مركز السرطان في العراق، أن عدد مراكز العلاج الكيمياوي 23 مركزا و 7 مراكز للعلاج الإشعاعي مع قرب افتتاح 3 مراكز في كل من البصرة والانبار والنجف وسيتم إنشاء ثمانية مراكز علاج إشعاعي ضمن خطة بناء العشرة مستشفيات 400 سرير في بغداد والموصل والبصرة والناصرية وميسان وبابل والنجف وكربلاء. وباعتماد العدد التراكمي للمصابين بالسرطان البالغ حوالي ( 350 ) الف مصاب بالسرطان فان النسبة تبلغ حوالي 12 ألف مريض لكل مركز علاجي كيماوي واشعاعي و41 مريض في اليوم الواحد لكل مركز، فيما يظهر جليا الحاجة الى توفير حوالي( 5300) سرير لغاية العام 2016 لمرضى السرطان و حوالي 12 الف عدد الاسرة المطلوبة وفق المعايير القياسية العالمية للعام 2030 باعتماد نسبة إشغال أسرة المعيار العالمي 7 ايام ونسبة اشغال قياسية حسب المعيار العالمي 80%.
مستوى المعرفة لدى المرأة بالمرض لم يكن مناسبا
وبينت نتائج دراسة أشرفت عليها د. ندى عبد الصاحب العلوان مديرة المركز الوطني الريادي لبحوث السرطان في جامعة بغداد، وجود مستوى محدود لمعرفة النساء لعوامل الخطورة بمرض سرطان الثدي باستنتاج أن ( حوالي اثنتين من كل 17 امرأة كانت إجابتها صحيحة ) و حوالي ( ثلاثة من كل 17 امراة كانت اجابتها متوسطة ) و ( و 12 من كل 17 امرأة كانت اجابتها خاطئة ) إذ بلغت نسب الإجابات الصحيحة والمتوسطة والضعيفة (11 %،20 %، 69 %) على التوالي حسب الدراسة التي شملت عينة من 184 امرأة من الفئة العمرية 17-58 وتم جمع البيانات من خلال استبيان نظم من قبل المركز الوطني الريادي لبحوث السرطان في ندوة علمية تخصصية عن التوعية بسرطان الثدي. واستنتجت الدراسة أن مستوى المعرفة بمرض سرطان الثدي لم يكن جيدا لدى طالبات ومنتسبات كلية التربية ابن رشد للعلوم الانسانية في بغداد، لذا توصي الدراسة بالاستمرار في التوعية الجماهيرية من خلال التعليم وإلقاء المحاضرات من خلال الوقاية والكشف المبكر.
الإشعاعات والأمراض السرطانية وضعف الوعي الصحي.. من اسباب الكارثة
وبين تقرير (المرأة والرجل في العراق إحصاءات تنموية عام 2012) ان زيادة الإصابات بالأمراض السرطانية يعود لأسباب عديدة منها، انتشار الإشعاعات والأمراض السرطانية المعدية وقلة العناية الصحية والوعي الصحي وإهمال المجال الصحي في تلك الفترة . لم يعط التقرير اي بيانات او احصائيات عن مستوى الاشعاعات او بيان أسباب اخرى . فضلا عن ان تقرير التنمية المستدامة نحو تمكين أفضل للنساء والفتيات الذي صدر في العام 2017 من قسم إحصاءات التنميــة البشريــة في الجهاز المركزي للإحصاء أشار الى مساهمة التلوث البيئي في انتشاره بشكل كبير وان الحل يكمن بتطبيق المعايير الدولية.
واحدة من كل 72 امرأة فقط قادرة على الحصول على الادوية
وحسب التقرير الصادر من الجهاز المركزي للإحصاء، إحصاءات التنمية المستدامة عام 2017 قسم إحصاءات التنمية البشرية، فان 2.8 % من السكان قادر على الحصول على الادوية واللقاحات بأسعار ميسورة وبالتالي فان حوالي امرأة واحدة من كل 72 امرأة قادرة على الحصول على الادوية واللقاحات بأسعار ميسورة، مما يتطلب العمل الكبير وتخصيص موازنة مالية أكبر لتوفير الأدوية بأسعار معقولة سواء فيما يتعلق بادوية الامراض العادية او الادوية الخاصة بمرضى السرطان.
العراق في الصدارة في كثافة انبعاث ثاني اوكسيد الكاربون
حسب تقرير البنك الدولي حول كثافة ثاني أكسيد الكربون، كجم لكل كيلوغرام من استخدام الطاقة المكافئ للنفط ) فان العراق يتصدر قائمة الترتيب عن دول آسيا وشمال أفريقيا بمعدل بلغ 3.4 في تقرير عام 2014 في حين ان العراق هو الثاني عالمياً بعد منغوليا في كثافة انبعاث الكربون، متفوقا على كل من الصين وكوريا الجنوبية.
خطا العراق في الآونة الأخيرة بعض الخطوات المهمة على طريق تدعيم مناخه الاستثماري وبحسب تقرير أنشطة الأعمال الذي اصدره البنك الدولي عام 2016، فالعراق يحتل المرتبة رقم 161 من 189 دولة وهي مرتبة متأخرة تبين مدى الحاجة الى توسيع أفقه وتوفير مناخ استثماري جاذب للمستثمرين.
وبرغم زيادة الموازنة الاتحادية للعراق بين عام 2010 و 2016 من حوالي 85 تريليون دينار الى حوالي 105 تريليون دينار الا ان الميزانية المالية المخصصة لوزارة الصحة انخفضت من حوالي 6 تريليون دينار عام 2010 الى حوالي 5 تريليون دينار في العام 2016 ، بمعنى تخفيض ميزانية الوزارة من دينارين الى دينار واحد مقابل كل 270 دينار للفقرات والوزارات الاخرى في الموازنة مما أضاف عبئا وتحديا جديدا مع استمرار ارتفاع الإصابات الجديدة بالأمراض السرطانية بين العامين من 18483 عام 2010 الى حوالي ستة وعشرون الف إصابة عام 2016 فضلا عن دمج وزارتي الصحة والبيئة ضمن تخصيص واحد قلل من قدرة الوزارة على مواجهة تحديات اتساع رقعة الإصابات السرطانية، او التحديات البيئية.
القوانين والاتفاقيات وحدها لا تكفي والفقيرات أكثر تعرضا للتغير المناخي
التغير المناخي يعكر صفو العالم حين القى بضلاله على الخريطة المناخية المتطرفة في العالم خلال السنوات الاخيرة، والعراق سعى مع باقي الدول المنضوية تحت مظلة الامم المتحدة الى اتخاذ الاجراءات اللازمة مع استمرار انبعاث الغازات ورغم انه اصدر ووقع العديد من القوانين والاتفاقيات التي من شأنها أن تحدد الواقع المناخي وتبقى النساء الفقيرات حسب التقارير الدولية أكثر تعرضا للتغير المناخي حسب ما جاء في تقرير الجهاز المركزي للإحصاء بتقريره ( أهداف التنمية المستدامة) أما في مجال البيئة فإن الحل يتم بتوفير طاقة نظيفة وبأسعار معقولة وتقليل الانبعاثات، وبناء المجمعات المحلية المستدامة، وعقد الشراكات لتحقيق الأهداف يشكل التزاما وثيقا بمبدأ الشراكة والتعاون بين الدول المنضوية تحت مظلة الأمم المتحدة وحسب ما جاء في تقرير نحو تمكين افضل للمراة الصادر من المركز القومي للإحصاء تحت عنوان الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها العراق بعد 2003، وبحضوره المتواصل القمم العالمية المتعلقة بالبيئة ( قمتي باريس وقمة المغرب ) حول التغيرات المناخية، كذلك الالتزام بالاتفاقية رقم 139 التي أقرها مؤتمر منظمة العمل الدولية ILO في العام 1976 بشأن الوقاية والسيطرة على الأخطار المهنية الناتجة عن المواد والعوامل المسببة للسرطان.
كما أطلق العديد من الحملات والبرامج الخاصة بتعزيز الصحة كبرنامج الاستراتيجية الوطنية للصحة الإنجابية وصحة الأم والطفل لسنة 2013 للمدة من 2013 لغاية 2017 وهو نظام صحي يعتمد الرعاية الصحية الاولية كمرتكز أساس يضمن خدمات صحية تلبي حاجات الفرد والمجتمع فضلا عن أولوية زيادة الوعي في الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة والتثقيف بالممارسات الصحية الجيدة والكشف المبكر عن الأمراض حسب تقرير نتائج استبيان الموازنة المستجيبة للنوع الاجتماعي لسنة 2014.
بارقة أمل وقصص نجاح
كانت قصة المعلمة الجامعٌية ارٌيج السلطان عن رحلة والدتها مع المرض الخبيث والالام الكبيرة والرحلة الطويلة للعلاج مع التكالٌيف الباهظة للعلاج فضلا عن النهاية المؤلمة ( بمغادرة هذا العالم )، تشعر اريج بالخوف من تكرار التجربة فيما لو لعبت الوراثة دورها وتعرضت لنفس المعاناة.
اما ( عفراء ) فقد استعادت حياتها الطبيعية برفقة عائلتها بعد شفائها التام من المرض مما جعلها تردد مقولة ( أن المرض قابل للعلاج ) وهذا ما أكده الدكتور باسم عبد الرزاق مدير مستشفى الأمل للأمراض السرطانية في الناصرية، اذ قال ان المرض قابل للشفاء وخصوصاً عند اكتشافه بصورة مبكرة، فيما يقول خبراء علم النفس لكل مرضى السرطان، ان الموت كما الحياة قدر، لذا تفائلوا وعيشوا بحب وقولوا دائما اننا بخير.