مسرحية الازدواجية!

د. نبراس المعموري

يتحدث دعاة حقوق الانسان عن مظاهر الفساد والكذب والنفاق وانتهاك الحقوق والحريات، ومع احترامي وتقديري للهدف النبيل الذي يتبناه دعاة حقوق الانسان الحقيقيون في سبيل كل هذا، إلا أنه كما الحال في الكثير من مفاصل حياتنا يوجد الصالح والطالح، وللاسف ارتفاع نسب الطالح لبعض دعاة حقوق الانسان كانت طباشيري لهذا العدد عبر مسرحية مؤلفة من ثلاثة مشاهد ..

 المشهد الاول ..

شهدت بغداد و اغلب محافظات العراق في الاونة الاخيرة تظاهرات كبيرة مطالبة بتحسين الخدمات العامة وتوفير فرص عمل ومحاربة الفساد، لتتميز و بجدارة بشبابها و حقهم المشروع بالحياة . الكل يعلم ان الحق في الحياة اهم حقوق البشرعلى الكرة الارضية بل ان اغلب دساتير العالم تضمنت هذا الحق و من ضمنهم الدستور العراقي. تابعت مشهد التظاهرات بحكم انتمائي ومهنتي ساعدني في ذلك اكثر قرب منزلي من ساحة التحرير و مستشفى شيخ زايد التي كانت تستغيث الدم بعد ان خلت من اكياس الدم، اضافة الى التواصل مع بعض الزميلات والزملاء من الوسط الاعلامي والمجتمع المدني لغرض رصد و توثيق ما يحدث من عنف و قمع ضد المتظاهرين.. صدمت وانا اكتب عبر مواقع التواصل بموقف المتفرج و الصامت من بعض دعاة المدنية و حق التظاهر والتعبير ممن كانوا في الامس القريب زعامات و قيادات تتباهى بانها تصدرت ساحات التظاهر وانهم وليس غيرهم من دعاة حقوق الانسان؛ مبررين موقفهم بانه ( لا  نعلم من وراء تلك التظاهرات ولننتظر و نرى) ، و فعلا انتظروا.. قمع الحريات وانحراف الديمقراطية و استبداد السلطة حتى فقدنا اكثر من 110 شهيد من المتظاهرين بعمر الزهور، و جرحى فاق عددهم ال 6000 جريح بين متظاهر ورجل امن، بالمقابل كانت هناك مشاهد لم تحتاج لنجوم مواقع التواصل كانت بائعة المناديل، و الرجل المسن و امرأة خبز العباس، و شباب ثائر تمسك حتى و هو يقتل عبر القناصين حسب تصريحات رسمية  بحق الحياة.. اعتقد ان الرسالة هنا ابلغ بكثيررر! 

المشهد الثاني..

ناشطة و مربية لأجيال تدعي حقوق الانسان، تظهر عبر التلفاز مقاتلة شرسة و بطلة ينقصها الجواد والسيف؛ الا ان خلف اسوار الاستعراض مصادرة لكل جهد مدني حقيقي، واذا ارادت ان تساهم في هذا الجهد فما عليها الا ان تقف موقف المحاضر الذي ينتقد و يشخص ويقلل من قيمة هذا وذاك لتكون في النهاية هي صاحبة المنجز العظيم (أنا على حق وغيري على باطل).. الادهى من كل هذا ما تقوم به خلال تنقلاتها الغريبة بين مجموعات المجتمع المدني بان الاخرين والاخريات سرقوا جهدها ولابد من إقصائهم وإزاحتهم بطرق مختلفة، رغم انها تعلم هي و من يؤازرها نفاقا و كذبا ان الغيرة والحسد لكل منجز ناجح و متفوق سواء انجزه رجل او امرأة هو السبب الرئيسي في العداء و تسقيط الاخريات والاخرين.. اذا كان هذا اسلوب و عمل الحقوقية المتعلمة التي لديها باع طويل في مجال حقوق الانسان فكيف الحال باللواتي خارج هذا الاطار ؟

المشهد الثالث

مؤسساتنا التي ارتهنت الى المستشارين والمقربين فكانت النصيحة تتراوح بين امزجة التصويب والتضليل.. شد انتباهي لقاء بعض المسؤولين ببعض الافراد و حتى المؤسسات ممن يحملون شعار حقوق الانسان والحريات العامة متبنيين خطابا اعلاميا غريبا عجيبا يناغم حقوق الانسان تارة و يبتعد تارة اخرى ضمن الافكار والمعلومات التي نقلها لها حشر دعاة حقوق الانسان دون دراية ومنهجية ودقة في نقل المعلومات بل ما زاد الامر سوءا انهم صاروا يصادرون منجزات غيرهم ليبنوا عليها اوهامهم بانهم هم المنجزين وهم المضحين و هم المتطوعين.. كل هذا والمسؤول همه الوحيد  ان يظهر للرأي العام انه ملم بكل ما حوله وانه مساند لحقوق الانسان وفق نظرية (جذب الجذبة و صدكه) دون ان يبحث من هولاء ؟ وما انجزوا؟ وهل هم حقيقيون ام العكس؟

الجميع يعلم ان الصدق والأمانة والعدل والنصح اساس المجتمع المدني المتحضر السليم، ومع ذلك قد لا نجد القيم الأخلاقية في بعض دعاة حقوق الانسان بل النقيض منها وهناك من يقول إن المجتمع “يعيش أجواء الحداثة بدون أخلاقها”!

وأخيراً أقول لبعض الدعاة ممن اشرت لهم في المشاهد الثلاثة للمسرحية : إن خطابكم ومواعظكم، دون تجسيد للقيم الأخلاقية في واقع سلوكياتكم، نقيض مدارس حقوق الانسان وازدواجية لا ترتقي للمفهوم العام الذي تزعمتم منصته.. مسرحية الازدواجية عكست فساد من لون مختلف !

شاهد أيضاً

غيبوبة المدى !

د. نبراس المعموري قد يبدو مصطلح (غيبوبة المدى ) ذو طابع أدبي أو فلسفي، لكنّني …

error: Content is protected !!