ميساء الهلالي
يقال إن عجوزين ريفيين لعبا الدومينو ومع تزايد حماسهما، زادت الرهانات وكان آخر رهان هو أن يهب الخاسر ابنته للزواج من الفائز، وهكذا حصل الفائز على عروس شابة، ولم يحتمل الثاني الخسارة وضياع ابنته منه فقرر أن يعيد الكرة ووافق الرابح على مضض بعد أن خشي من فقدان العروس لكن والدها فاز هذه المرة وحصل على عروس شابة بدوره!
في اليوم التالي، اجبر كل منهما ابنته على الزواج من الآخر ولم تثنهما دموع الفتاتين ولاتوسلاتهما عن الالتزام بوعديهما.
تقول أم أحمد التي تجاوزت الآن الخمسين من العمر ولديها أحفاد حاليا، إن يوم زواجها هو الأسوأ في حياتها ولا تريد أن تغفر حتى هذه اللحظة مافعله معها والدها حين اجبرها على الزواج من رجل لاتريده أبدا، وكانت تسخر منه بين صديقاتها حين تراه في الشارع ثم يصبح زوجها عنوة ويجرها إليه أهلها جرا بينما صراخها يصم الآذان.
وتصر أم فاضل على ضرورة عدم إجبار الفتيات على الزواج وسماع رأيهن فلا صحة لما يقال عن تغير مشاعر الفتاة نحو زوجها بعد الأسبوع الأول إلا إذا رضيت لنفسها الاهانة والاستخفاف بكيانها، وتستذكر بألم ماحدث معها متخيلة نفسها كشاة يقودها القصاب إلى المذبح.
مع ذلك، لم تحاول أم أحمد طلب الطلاق من زوجها بعد أن أنجبت له طفلها الأول واعتبرت ذلك إجحافا بحق أولادها.
ربما يكون هذا نموذجا فريدا على تزويج الفتيات بالإكراه لكنه حقيقي وهناك نماذج وأمثلة كثيرة أخرى لاتنتهي رغم التطور المجتمعي والثقافي في العراق وبقية البلدان العربية، ذلك إن النظرة القاصرة للفتاة مازالت موجودة فالبعض يعتبرها غير قادرة على تحديد مصيرها واختيار مايناسبها فيختار لها بنفسه أو أن يحقق ولي أمرها مصلحة شخصية من وراء تزويجها فيجبرها على ذلك، عدا تلك العادة العشائرية البالية التي ماتزال موجودة أيضا وهي زواج ( كصة بكصة ) التي يكره على تنفيذها احد الأطراف ولا ريب فإذا كانت العروس الأولى راضية فليس بالضرورة أن ترضى بديلتها بالزواج من شقيقها وهنا يجبر الأخ أخته على الزواج بشقيق زوجته مهما حاولت الرفض.
يرى إبراهيم سلمان إن شراكته مع صديقه التاجر الكبير ستفتح له أبواب رزق طالما كان يحلم بها فيوافق على عرضه ويشاركه في عمل يدر عليه ربحا جيدا، لكن التاجر لايكتفي بذلك فقد سعى إلى الموضوع كما يبدو بسبب إعجابه بشقيقة إبراهيم الجامعية الحسناء وبعد أن يمنح إبراهيم فرصته في العمل والربح الجيد، يتقدم إليه هذه المرة طالبا يد شقيقته للزواج فلا يجد إبراهيم أي سبب معقول لرفض صديقه الغني والذي بات له فضل كبير عليه، وتحاول الفتاة الرفض بكل ماأوتيت من قدرة وتدعو الأقارب للتدخل لحمايتها من هذا الزواج المصلحي الذي تعتبره صفقة بين شقيقها والتاجر الكبير خاصة وانه متزوج وستكون زوجة ثانية له لكن شقيقها يصر على تزويجها من الشخص الذي اختاره لها، وتحاول الفتاة الانتحار فتفشل وتنصحها والدتها بالموافقة لأن الانتحار سيسيء إلى سمعة عائلتها وتوافق مرغمة ثم تعيش مع التاجر أياما قاسية بسبب إهماله لها بعد شهر العسل مباشرة وإجبارها على مغادرة الجامعة ورفضه الإنجاب منها لأنه أنجب من الأولى مايكفيه من الأطفال.
يعتبر الدكتور جمال البياتي المتخصص في علم الاجتماع، إن هناك عدة أسباب اجتماعية تدعو بعض الأسر إلى تزويج أبنائهم أو بناتهم من أشخاص غير مرغوب فيهم ولعل من أهم هذه الأسباب جهل الأسرة بالمكانة الاجتماعية التي تحتلها المرأة في المجتمع، وان عدم احترام هذه المكانة يجعلهم يفرضون رجلا غير مرغوب فيه على ابنتهم ليكون زوجا لها.
مبينا، السبب الآخر هو التخلص من البنت والتحرر من مسؤوليتها ورعايتها إضافة إلى الطمع أحيانا في الحصول على المهر والتصرف به كما يشاءون من دون استشارتها. وأخيرا هناك عامل التقليد أو المحاكاة الاجتماعية الذي يجعل الأهل يتصرفون ببناتهم أسوة بالآخرين لكونهن بنات لاحيلة لهن.
ويسمي الدكتور البياتي هذا الزواج (الزواج المرتب) كما هي العادة في علم الاجتماع وهو زواج لايتلائم مع روح العصر والمفاهيم الجديدة التي يتبناها المجتمع إذ انه يتناقض مع مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة ويقف ضد حقوق وطموحات المرأة في المجتمع الحديث –لذا يجب توعية الأسر كافة بضرورة الابتعاد عنه وإتاحة الحرية للمرأة أو البنت باختيار شريك حياتها أو في الأقل الموافقة عليه قبل توقيع عقد الزواج،كما ينبغي تشريع قوانين تجيز للمرأة أو البنت البالغة برفض الرجل الذي لاترغب فيه زوجا لها مع تعميق المسؤوليات الاجتماعية والأدبية التي ينبغي أن يتحملها الآباء أوالامهات أو أولياء الأمور تجاه البنات والنساء بصفة عامة.
وينظر المحامي نبيل التميمي إلى القضية من منظور قانوني فيقول، الأصل في عقد الزواج أن لا ينعقد إلا بتوافر ركن الرضا والإكراه يعدم هذا الرضا لذلك فأن عقد الزواج الذي يقع بالإكراه يعتبر باطلا إذا لم يتم الدخول.
موضحا، هذا ما أجمعت عليه المذاهب الإسلامية كلها وقد قنن هذا الإجماع في المادة (3) من التعديل ورتب عقوبة جزائية على من يقوم بأجراء زواج بالإكراه كما عاقب القانون كل من يمنع من كان أهلا للزواج بموجب أحكام القانون أي من أتم 18 سنة وكان عاقلا من الزواج بمن يريد ورتب عقوبة جزائية علي من يخالف ذلك.
قد يحدث هذا إذا سلك الجميع طرق المحاكم لعقد القران لكن هناك ظلم حقيقي يقع حاليا على من يتم تزويجها بعقد خارج المحكمة وبالإكراه أيضا، فهل هناك سبل ناجعة لإنقاذها.
ربما لا يوجد هناك الآن رادع حقيقي عدا مطالبة المنظمات النسوية بضمان حقوق المرأة ودعوة الدستور لها في المادة 39 التي تنص على إن العراقيين أحرار بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم ومذاهبهم واختياراتهم وان ينظم ذلك بقانون.
لذا، لابد أن نذكر الآباء بتحصين بناتهم من مستقبل قاس إذا ماتم تزويجهن بالإكراه وليتذكروا دائما إن من تتزوج بأسلوب سلبي قد تصدر عنها مستقبلا سلوكيات سلبية تحديا لمن اجبرها أو رفضا لواقعها.