العراق فيه هؤلاء

ـ أسماء محمد مصطفى


غالب ماينشر في وسائل التواصل الاجتماعي هو مايشير الى الظلام في المجتمع العراقي بلدا وشعبا ، فلايكاد الضوء يُرى ، لذا سنطل عليكم بين وقت وآخر ببعض مشاهداتي ومعايشاتي الإنسانية والصحفية راصدة الضوء في المجتمع ، لغايتين : الاولى تعميم ثقافة الإنسانية الحقيقية الناتجة عن حسن التربية عسى أن تؤثر في الآخرين وتتسع مساحة الضوء ، والثانية تقديم صورة إيجابية إعلاميا عن حالات غير موثقة بالفيديوات ، ذلك أنّ كثيرين يفضلون تقديم الخير سراً . الشيء الذي نريد توصيله أيضا هو الانتباه الى تفاصيل دقيقة في التصرفات تدل على رُقي أصحابها ممن تربوا جيدا في بيوتهم وحياتهم ، ولايحتاجون الى قانون يلزمهم بفعل الأمور الصحيحة ولكن أينما وجد القانون سيلتزمون به برحابة صدر، مع أنه وجد لمن لايمشي على الصراط المستقيم من تلقاء نفسه ، وأمام القانون يقف الجميع سواسية ، او هكذا يفترَض .
الطيبون الواعون الملتزمون موجودون لكنهم ليسوا في السلطة وغير مسنودين من جهة مسلحة كي تكون كلمتهم مسموعة ، وإن وجد منهم في السلطة جوبه بالعوائق بسبب المنظومة السياسية الفاسدة . ومانقدمه هنا حالات ومواقف يقوم بها تطوعاً ، مواطنون ، ليسوا أغنياء ، في وقت يفترض بالحكومات القيام بها :
ـ موظف يطلب من دائرته أن تقرضه مبلغاً كبيرا كي يعالج ابنه ، ولأنّ الاقتراض غير مسموح به وفقا للقانون الإداري الذي تعمل به الدائرة ، يبادر الموظفون الى التبرع ، مدير الحسابات يسلم المبلغ الى الموظف المعني ، فيعترض قائلا إنه لايريد مساعدة وإنما دَين تقوم الدائرة باستقطاعه شهريا من راتبه ، مدير الحسابات يكذب عليه من باب الإنسانية حتى يقتنع ويتسلم المال حين يقول نعم هذا المبلغ قرض وسنقتطعه من راتبك كل شهر على شكل أقساط .
ـ امرأة حين انتهت من شرب العصير في السيارة وضعت العلبة الفارغة في حقيبتها ، سألتها صديقتها : لماذا وضعتها في الحقيبة ؟ أجابتها قائلة كي أرميها في سلة النفايات في البيت ، قالت اعطني إياها ، أرميها بدلاً عنك من الشباك إذا كنت متحرجة من رميها بنفسك ، ردت عليها : لا . أنا ارفض رمي النفايات عشوائيا . فقالت صديقتها : الجميع يرمي الأزبال في الشوارع (هي بقت عليج)؟ قالت : حتى لو أنّ الجميع يرمي ، أنا لن افعل ، وليس الجميع يرمي بل البعض . هناك أناس راقون بيننا ، لانرى نظافتهم مثلما نرى وساخة آخرين ونعممها .
ـ فريق تطوعي يقدم خدماته مجانا ، يعمل على إعمار مئات المنازل التي يقطنها فقراء .
ـ رجل وهو يمشي في الطريق صباحا يسمع طفلة تقول لمسن تمشي معه إنها جائعة ، ويبدو من مظهريهما أنهما فقيرا الحال ، الرجل يسارع الى شراء شطيرة للطفلة ويقول لها تناوليها الآن .
ـ مواطنون كادحون ، من النخبة وغير النخبة ، يتقدمون بالمساعدات المالية والعينية بشكل فردي او على شكل حملات جماعية ، الى متعففين ، صمتاً وبهدوء ومن غير ضجة تصوير على فيس بوك . نجد هؤلاء الطيبين يقدمون تلك المساعدات وهم يمرون بأفران الصمون والأسواق والمطاعم والمستشفيات ، لايتوانون عن تقديم المساعدة الى شخص محتاج . وهم يتابعون أيضا حملات الاستغاثة التي تنشر في فيس بوك او القنوات الفضائية ، ويسارعون للاشتراك بها .
ـ موظفة تحسب لها دائرتها مبلغاً بالخطأ فوق راتبها ، فتعيده مع أن المبلغ يكفي ليسد إيجار بيتها .
ـ مثقف كلما صعد في سيارة أجرة او سيارة نقل عام يعمل على نصح السائق لاسيما إذا كان شابا بنبذ التصرفات غير المتحضرة ، ووفقا للحالة التي تحصل أمامه . ردود الفعل عليه غالبا ماتكون إيجابية ، مع الإشارة الى أن بعض الشباب ردوده وقحة ، لكن الأعم أن النصيحة تقابل بالقبول .
ـ امرأة من خلال عملها في المحاكم ، تعرفت على حالات صعبة لنساء ، فوفرت لهن مصدر رزق بشراء أدوات إعداد الخبر من أفران وقناني غاز وطحين كي يقمن بجني الرزق من خلال بيع الخبز . هذه المرأة تكفلت أيضاً قبل سنتين بتوفير احتياجات أربعين عائلة نازحة تسكن الخيم ، من الطعام والدواء والآثاث والأغطية على حسابها الخاص وحساب أهلها ، هذا الى جانب دورها في نصح وإرشاد النساء والأطفال عبر عملها وبيتها .
ـ امرأة تلبي نداء احدى الفرق التطوعية للتبرع ببطانيات للنازحين ، ولأن ّوضعها الصحي لم يسمح لها ببذل جهد جسدي يتطلبه تنظيفها ، أخذت مجموعة من بطانياتها الى محل متخصص بتنظيفها ودفعت أجرا لقاء التنظيف وقامت بتعطيرها وتقديمها للفريق احتراما للنازحين .
ـ عائلة تبادر الى رفع أنقاض متراكمة عند بيت جيرانهم الذين هجروه بسبب وفاة ابنهم ، رفعتها حتى لاتكون مكبا للنفايات ، ودفعت لقاء ذلك من مالها الخاص ، ولم يعلم أهل البيت بهذه المبادرة .
ـ امرأة تغيث قطة تعرضت قدمها للكسر بسبب حادث دعس ، تأخذها الى حديقة بيتها وتداويها وتقوم بإطعامها اللحم وترعاها الى أن تشفى . هذه المرأة معروف عنها عطفها على القطط والكلاب التي تمر بمنطقتها .
ـ امرأة تحرص كل يوم على وضع صحون مليئة بالماء على سطح دارها كي ترتوي الطيور منها في الصيف اللاهث .
ـ والدة تلميذ تقوم بالتبرع بطلاء وتزيين صف دراسي ينتظم فيه ولدها .
ـ مواطنون يتبرعون بالمال لشراء كارفان لغرض إيواء احدى المشردات فيه .
ـ امرأة تتكفل برعاية ابنة شقيقتها المتوفاة وتقدمها للمجتمع على أنها ابنتها حتى لاتشعر البنت بالنقص ، وثانية تمتنع عن الزواج حتى تتفرغ لرعاية ابنتي شقيقتها الغائبة وتنفق عليهما أكثر مما تنفقه على نفسها ، وثالثة تتطوع لرعاية ابن أختها المصاب بإعاقة عقلية وحركية وتعامله بصفة ابن لها ، وهي سعيدة برعايته.
ـ مجموعة صديقات تفرقن جغرافيا منذ سنوات طوال وجمعهن فيس بوك قبل مدة ، علمن بإصابة صديقة ، غائبة عنهن منذ وقت طويل ، بمرض يمكن أن يحولها الى عاجزة حركيا إذا لم تجرِ عملية جراحية تكلفها الكثير ، وهي لاتملك المال ، فتكفلن بدفع أجور العملية ، واستطعن بمبادرتهن إنقاذ صديقتهن .

شاهد أيضاً

العراق وطن القلوب والحضارة

اللواء الدكتورسعد معن الموسوي أنا دائمًا ما أبتعد عن الحديث في السياسة وعراكها، لكن عندما …

error: Content is protected !!