تحدث قاضيان متخصصان في قوانين الاحوال الشخصية عن أحكام الوصية الواجبة في تركة الجد لأحفاده، وأوضحوا دور محكمة التمييز الاتحادية الهام في هذا الموضوع من خلال سد العجز التشريعي في القوانين النافذة وإصدارها مبادئ قضائية أدت إلى إنصاف الأحفاد في تركة أجدادهم بالوصية الواجبة.وأفاد القضاة في أحاديث الى “القضاء” بأن الشريعة الإسلامية لم تشر نصا الى آلية تقسيم التركة بما يخص الأحفاد المتوفى والدهم او والدتهم قبل جدهم صاحب التركة، حيث توجه المشرع العراقي الى اصدار المادة الرابعة والسبعين في تعديله الثالث لقانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 والتي نصت في فقرتها الاولى (اذا مات الولد ذكرا كان ام انثى قبل وفاة ابيه او امه فأنه يعتبر بحكم الحي عند وفاة اي منهما وينتقل استحقاقه من الارث الى اولاده ذكورا أكانوا ام اناثا حسب الاحكام الشرعية).
إنصاف
وبصدور هذه المادة أنصف القانون العراقي الأحفاد الذين يتوفى والدهم او والدتهم قبل جدهم ومنحهم حصة والدهم او والدتهم من تركة الجد او الجدة بما لا يتجاوز الثلث مجتمعين، على خلاف بعض التشريعات العربية التي منحت أبناء الابن فقط حصة من التركة بموجب الوصية الواجبة”.
وبالرغم من الجهود القضائية المبذولة في تفسير النصوص وإصدار المبادئ القضائية المكملة للتشريع المذكور الا ان المادة المختصة بتوزيع الوصية الواجبة والية تطبيقها تشوبها بعض الملاحظات والنقاط المفصلية التي يجب على المشرع الالتفات لها وتعديلها تطبيقا لمبادئ العدالة وإنصافا لحقوق الأحفاد.
وفي تعليقه إلى “القضاء” يعرّف عضو محكمة التمييز الاتحادية القاضي عصام الشعلان الوصية الواجبة بأنها “انتقال ما يستحقه الولد ذكرا كان أم انثى فيما لو كان حيا في تركة أي من والديه في حالة وفاته قبل أي منهما بحكم القانون الى أولاده على أن لا تزيد على ثلث التركة”.
وأضاف أن “المشرع العراقي تناول الوصية الواجبة بموجب احكام المادة (الرابعة والسبعين) من قانون الاحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 المضافة الى نصوص القانون المذكور بموجب قانون التعديل الثالث رقم 72 لسنة 1979”.
العطاء خير من المنع
وأكد الشعلان أن “سبب تشريع المادة الخاصة بالوصية الواجبة للأحفاد هو إنصاف الاحفاد الذين حرموا من تركة جدهم، والمشرع العراقي اشتق احكام الوصية الواجبة من الفقه الظاهري شأنه شأن القوانين العربية الاخرى”، لافتا ان “قانون التعديل الثالث الذي اضيف بموجبه النص الحالي للمادة (الرابعة والسبعين) من قانون الاحوال الشخصية لم يشر الى الاسباب الموجبة التي شرع لأجلها القانون المذكور، إلا انه يمكن القول ان الغاية من التشريعات هو إنصاف الأحفاد الذين حرموا من تركة جدهم او جدتهم بسبب وفاة والدهم او والدتهم قبل أي من جديهما ما حال دون وصول استحقاق اي من والديهم من التركة إليهم سيما وانهم كانوا سيتمتعون بتركة اجدادهم لو كان والدهم او والدتهم (الفرع الوارث) على قيد الحياة، حيث جاء التشريع المذكور انسجاما مع قاعدة (العطاء خير من المنع)”.
أما في حالة وفاة الأب والجد معا فقد أغفلها المشرع لكن محكمة التمييز لم تهملها. يوضح الشعلان أن “المشرع العراقي لم يتطرق الى عدة حالات ضمنها حالة وفاة الأب والجد معا إلا أن محكمة التمييز الاتحادية والقضاء العراقي اخذ دوره في إصداره مبادئ قضائية وقرارات أكملت آليات تطبيق مواد القانون المذكور وفقا للشريعة الإسلامية استنادا لأحكام المادة (الأولى) فقرة (2) من قانون الأحوال الشخصية التي تنص على انه (اذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملاءمة لنصوص هذا القانون)، وكذلك المادة (التسعون) من القانون المذكور التي نصت على (مع مراعاة ما تقدم يجري توزيع الاستحقاق والانصبة على الوارثين بالقرابة وفق الاحكام الشرعية التي كانت مرعية قبل تشريع قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 كما تتبع فيما بقي من احكام المواريث).
وبالرجوع إلى الشريعة بشأن المتوفين بحادث واحد كالغرقى والحرقى والهدمى والقتلى، يقول الشعلا ن إن “للفقهاء المسلمين رأيان بهذا الشأن؛ أولهما وهو رأي الأغلبية يرى انه لا توارث بين المتوفين نتيجة حادث واحد ولم يثبت وفاة احدهم بعد الآخر كحالة الغرقى والحرقى والهدمى والقتلى وينتقل ارث كل منهم الى ورثته الأحياء”.
وأضاف قاضي التمييز “أما الثاني فهو رأي الجعفرية وهو على رأي الاغلبية بشأن الحرقى والقتلى، اما بشأن الغرقى والهدمى فيرون انه يرث بعضهم بعضا في صلب المال، اي في أصل ماله وليس في طارئه الذي حصل عليه من صاحبه الغريق أو المهدوم عليه، ما يقتضي الأخذ بأحد الرأيين المذكورين وحسب الفقه الذي يتبعه المتوفون”.
وفي ما يخص الجنين، يكمل الشعلان أن “القضاء العراقي يرى ان أحكام الإرث على الجنين تطبق نفسها في الوصية الواجبة له، حيث كفل القانون العراقي للجنين في بطن أمه حقه، وجاء ذلك استنادا لأحكام المادة (3) من قانون رعاية القاصرين رقم (78) لسنة 1980 المعدل، التي أشارت إلى اعتبار الجنين بحكم القاصر، والمادة (1195) من القانون المدني رقم (40) لسنة 1951 التي اشارت الى تأخير حق الانتقال في حال وجود حمل بين اصحاب حق الانتقال الى حين ولادته، وان المتعارف في حالة وفاة الزوج وترك زوجه حامل فأنه يوقف للجنين في القسام الشرعي حصة ذكر، ويرى الجعفرية ان توقف له حصة ذكرين احتياطا وبعد الولادة واستبيان جنس المولود وعدده ينظر إن كانت المسألة الارثية تحتاج الى تعديل من عدمه”.
تزاحم الوصايا
وعن حالة تزاحم الوصايا الواجبة مع الاختيارية تابع القاضي عضو محكمة التمييز الاتحادية ”انها تحسم بالرجوع لاحكام الفقرة (2) من المادة (الرابعة والسبعين) من قانون الأحوال الشخصية التي نصت على (تقدم الوصية الواجبة بموجب الفقرة أولا من هذه المادة على غيرها من الوصايا الأخرى في الاستيفاء من ثلث التركة) وراعى المشرع العراقي احتمالية تزاحم الوصية الواجبة مع وصايا اخرى صادرة من المورث فتكون الاولوية للوصية الواجبة في الاستيفاء من ثلث التركة”.
وعن موانع تطبيق الوصية الواجبة للأحفاد يخلص القاضي عصام الشعلان إلى ان “الوصية الواجبة لها طبيعة الإرث من بعض النواحي بذلك فأن موانع الوصية الواجبة هي ذاتها بعض موانع الإرث وموانع اخرى خاصة بها، وحيث أن المشرع العراقي لم يذكر موانع الإرث في قانون الاحوال الشخصية فيقتضي الرجوع الى أحكام الشريعة الإسلامية بهذا الشأن استنادا لأحكام المادة (الأولى /2) والمادة (التسعين) من القانون المذكور”.
وتابع أن “أحكام الشريعة الإسلامية السمحاء أشارت إلى أربعة موانع للإرث هي الرق والقتل واختلاف الدين واختلاف الدارين، ونرى ان مانع الرق لا مجال لتطبيقه في الوقت الحاضر، كما ان القتل لا يمكن تصوره من جانب الاب او الام للجد او الجدة اذ يشترط لتطبيق الوصية الواجبة وفاة الاب او الام قبل الجد او الجدة، الا في حالة تراخي نتيجة القتل بان يتوفى الجد او الجدة بعد وفاة قاتلهما الابن او البنت، ولكن يمكن تصور ذلك من قبل الحفيد المستحق للوصية الواجبة ففي حال قتله لجده فلا يستحق التركة استنادا لاحكام المادة (الثامنة والستين) من قانون الاحوال الشخصية التي نصت على (ان لا يكون الموصى له قاتلا للموصى)”
واستطرد قاضي التمييز “اما عن اختلاف الدين فقد أشارت أحكام المادة (الحادية والسبعين) من قانون الأحوال الشخصية الى جواز الوصية بالمنقول مع اختلاف الدين دون العقار، كما ان اختلاف الجنسية لم يمنع الميراث وفقا لأحكام المادة (22/أ) من القانون المدني التي نصت على (اختلاف الجنسية غير مانع من الارث في الاموال المنقولة والعقارات غير ان العراقي لايرثه من الاجانب الا من كان قانون دولته يورث العراقي منه)”.
من جانبه تحدث القاضي محمد رجب من محكمة الاحوال الشخصية في الكرخ لـ”القضاء” عن الوصية الواجبة معتبرا ان “المشرع العراقي اقر بالوصية الواجبة استنادا لأصله الشرعي كما في الاية المباركة من سورة البقرة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) فهنا جاءت الاشارة الى الوصية واخذ بها الفقه الظاهري”.انتهى
شاهد أيضاً
85% من العمالة الأجنبية في العراق “بلا مهارات مفيدة”.. ويخطفون أكثر من 2 مليار دولار سنويًا
كشف المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، ان نسبة العمالة الماهرة والتخصصية من العمالة الأجنبية في …