ضابط ايقاع

عدوية الهلالي

حاول مجلس محافظة بغداد ان يفعل شيئا بدل الوقوف متفرجا على تفشي ظاهرة الانتحار في العراق بين الشباب والمراهقين خصوصا فأصدر قرارا بانشاء سياج أمني محكم لجميع الجسور في بغداد بهدف منع الشباب من القاء انفسهم من على الجسور والتراجع عن قرار الانتحار غرقا !
لانريد هنا ان نقلل من قيمة القرار الذي ربما سيساعد الى حد ما في الحد من حوادث الانتحار ، ولكن هل سيمكن للسياج الامني ان يمنع من تصبح الحياة عبئا عليه ويحتاج الى التخلي عنها بالهروب منها الى عالم الموت المجهول بما يحمله من رهبة ، اذ يبدو ان رهبة الموت لاتطال في تلك اللحظة من يفقد الاحساس بقيمة الحياة وربما يكون احساسه وقتها مغيبا تحت وطأة معاناة تجعل من قرار الموت – على صعوبته – بلسما لجراحه .


في محاولة الحد من أية ظاهرة ، يعمد الخبراء والمتخصصون الى مناقشة اسباب تلك الظاهرة للسعي الى معالجتها ، ومن يسعى الى القضاء على ظاهرة الانتحار أو الحد منها لابد وان يبحث في اسبابها التي لايجهلها أحد فالشاب العراقي حاليا قد لايملك خيارات كثيرة ليعيش حياة كريمة فهو اما عاطل عن العمل او مضطر لممارسة أعمال مهينة او فقيرة ليدفع عجلة الحياة وقد يكون فردا من عائلة مفككة وتواجه مشاكلا أسرية كبيرة أو يائسا من تحقيق امنياته الدراسية كما ان هنالك من يواجه متاعبا من نوع جديد بسبب هيمنة وسائل التكنولوجيا على حياتنا وقد يتعرض عبرها الى ابتزاز الكتروني يضعه في زاوية التهديد والخطر فيختار الموت خلاصا من الفضيحة والعواقب الاجتماعية أو الامنية أو ربما يتورط بالادمان على المخدرات ويفضل الموت علاجا لادمانه.

وفي أفضل الاحوال تكون الاسباب نفسية او عاطفية لكنها تعود لتصب في مجرى الاسباب الاقتصادية أولا واخيرا فقد يكون الفقروعجز الشاب عن الزواج سببا لخسارة الحبيبة او تكون الخيانة الزوجية نتاجا للفقر وبالتالي يظل الدولار أكبر ضابط ايقاع في العالم كما قال محلل اقتصادي ذات مرة ، وتظل الظواهر الاجتماعية على اختلافها مرتبطة به بشكل مباشر أو غير مباشر ، مايعني ان ظاهرة كالانتحار لن تقتصر على القفز من على الجسور بل يمكن تنفيذها بوسائل مختلفة ومبتكرة لكن محاولة الحد منها تحتاج الى خطوة اولى وأساسية وهي حل مشاكل الشباب الاقتصادية بتوفير فرص عمل وابواب رزق كريمة .

يمكن للحكومة ان توفر بيئة استثمارية سليمة –على سبيل المثال- لتعيد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للعراقيين ، وبدلا من انتظار الشاب لوظيفة حكومية ميئوس منها ، قد يجد في المشاريع الاستثمارية فرصة عمل تساعده على تخطي متاعبه وتساعده على رسم ملامح للمستقبل ومن يملك القدرة على تخيل وجه المستقبل لن يفكر يوما في الانتحار لأن ضبابية الصورة ومجهولية المصير يمنحان الشاب سلاحا ينفذ به قرار مغادرة الحياة دون أسف عليها ..

شاهد أيضاً

رؤية الواقع في السياسة الإعلاميَّة

د. محمد وليد صالح – كاتب عراقي يسعى الإعلام لتحقيق أهداف عدة، منها التعبئة السياسية …

error: Content is protected !!