تمكين الشباب وإشراكهم في سوق العمل


جميل عودة/مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن إستراتيجية التشغيل تعد مكونا أساسا من إستراتيجية التنمية على المستوى الوطني، كما أن التشغيل الكامل والمنتج، والعمل اللائق، هما أغراض لها أولوية في التعاون الدولي أيضا. ينبع ذلك من الإدراك بأن تحسينّ كمية ونوعّية التشغيل هما المدخل الرئيسي للقضاء على البطالة ولتخفيف حدة الفقر في المجتمعات البشرية، لاسيما مجتمع الشباب.

 يشير تقرير العمالة السنوي الذي يصدر عن منظمة العمل الدولية إلى أن البطالة بين الشباب لها تأثير قوى على سوق العمل، وعلى المجتمع بصفة عامة، وإنها تؤثر على الوضع الاقتصادي، وعلى مستوى الفقر الذي يشهده أي مجتمع، بالإضافة إلى إن البطالة تولد بطالة، وإنها كالوباء ينتشر بسرعة، ومما يفاقم الوضع، تزايد عدد الشباب والشابات الذين ينضمون إلى صفوف الباحثين عن العمل في كل عام.

 وحسب إحصاءات المنظمة العمل الدولية، يمثل الشباب والشابات ما بين الخامسة عشرة والأربع والعشرين من العمر ما يقارب خُمس سكان العالم، كثيرون منهم مازالوا في طور الدراسة، وهم ينتظرون في المستقبل الحصول على فرصة عمل لهم، وبعضهم تمكن بالفعل من الحصول على عمل لائق، إلا أن عددا كبيرا منهم مازالوا عاطلين عن العمل، أو من الباحثين عن عمل، أو ممن ينتقلون من عمل إلى آخر، أو من العاملين في الاقتصاد غير المنظم. ويواجه عدد آخر من الشباب حواجز شائكة تحول دون حصولهم على أعمال لائقة، وذلك لأسباب متعددة منها: قلة قابليتهم للاستخدام، وندرة فرص العمالة اللائقة، والتمييز، والعمل الجبري، وممارسة الأعمال الخطيرة، والفقر المدقع، والنزاعات المسلحة، والهجرة الجبرية، وغيرها.

 لذلك، فإن قضية تشغيل الشباب، والقضاء على ظاهرة البطالة بينهم، ليست قضية حق اقتصادي واجتماعي، ولا قضية عدالة، ولا مصدر للكسب وحسب؛ ولكنها تعتبر في رأى الكثير من الخبراء قضية الدفاع عن كرامة الإنسان واحترام ذاته، والمحافظة على شعور الإنسان بإنسانيته، وحمايته من إهدار الإمكانيات الإنسانية. كما تمثل العمالة أحد العناصر التي تـؤدي دورا رئيسـيا في الحفاظ على النظام الاجتماعي، وتحاشي إهـدار المـوارد البشـرية الحيوية المتمثلة بالشباب.

 كيف يمكن دعم الشباب والشابات لمواكبة مرحلتي الانتقال من الدراسة إلى العمل، ومن العمل غير النظامي إلى العمل في المجالات النظامية؟ وكيف يمكن دعم الشباب والشابات في الحصول على فرصة عمل لائقة ودائمة؟ وكيف يمكن تفجير قدرات ومهارات هؤلاء الشباب؛ وهم في مقتبل العمر، وفي مرحلة عمرية قادرة على العطاء والإبداع؟ وما هي أفضل السبل لإدماج السياسات الخاصة بعمالة الشباب في الاستراتيجيات العامة لتوليد التشغيل؟

 بشكل عام، أن مفهوم الشباب لا يشير إلى معطى ثابت لا يتغير، بل يشير إلى فئة متحركة غير ثابتة، شأنها في ذلك شأن فئات المجتمع العمرية الأخرى، بل شأن المجتمع ذاته، فشباب اليوم هم أنفسهم من كانوا بالأمس أطفالا أو فتيانا، وهم أنفسهم من سيكونون في الغد رجالا وشيوخا. ولقد عرفــت الجمعيــة العامــة الشــباب-لأول مــرة في عـــام ١٩٨٥ مـن أجـل الاحتفـال بالســـنة الدوليــة للشــباب-بــأنهم الأشخاص الذين يتراوح سـنهم بـين ١٥ و٢٤ سـنة، بيـــد أنهــا ذكـــرت كذلـــك أنـــه إلى جـــانب التعريـــف الإحصـائي المذكـور أعـلاه لمصطلـح الشـباب، فــإن معــنى هــذا المصطلـح يختلـف بـاختلاف المجتمعات في جميـع أنحـــاء العــالم، وأن تعريفـات مصطلـح الشـباب قــد تغــيرت بصفــة مســتمرة اسـتجابة لتغـــير الظــروف السياســية والاقتصاديــة والثقافيــة – الاجتماعية.

 وبغض النظر عن الاختلاف في تحديد الفئة العمرية للشباب؛ ويمكن القول إن جيل اليوم من الشباب والشابات هو الأكثر تعليما مقارنة بالأجيال السابقة، ويعد فرصة كبيرة وموردا عظيما يصب لمصلحة مجتمعاتهم من خلال المساهمات الكبيرة التي يمكن أن يقدمونها كعمال وأصحاب عمل، إلا أن هذا الجيل هو أكثر الأجيال أيضا معاناة بسب ارتفاع معدلات نمو السكان، وازدياد مستويات البطالة، وندرة الفرص المتاحة لمشاركة الشباب والشابات في سوق العمل.

 ذلك يعني أن الشباب الشابات هم فرصة وتحدي في آن واحد؛ ففي الوقت الذي تمثل فيه فئة الشباب فرصة كبيرة لمجتمعاتهم كونها الفئة الأقدر على العمل والعطاء مقارنة بفئة الأطفال وفئة الشيوخ، إلا أنها أيضا تمثل تحديا كبيرا وخطيرا لتلك المجتمعات عندما لا تكون مستعدة لتهيئة هذه الفئة لسوق العمل أو ليس لها القدرة على استيعابهم وإدخالهم إلى سوق العمل.

 تأتي أهمية توفير فرص عمل للشباب والشابات من حيث أن الشباب والشابات يسعون إلى معاونة أسرهم ومجموعاتهم ومجتمعاتهم، ثم يسعون تباعا إلى تأسيس أسرهم ومجموعاتهم الخاصة، ويسعون إلى تحسين أوضاعهم، وهم يملكون أحلاما وطموحات يتوقون إلى تحقيقها، ولا شك أن السبيل إلى تحقيقها يمر عبر الحصول على العمل اللائق. وكلما تمكن هؤلاء الشباب والشابات من الحصول مبكرة على فرص عمل تدر عليهم وعلى أسرهم موردا ماليا مناسبا أمكن القول إنهم سيتمكنون من صناعة مستقبل زاهر لهم ولأسرهم، والعكس صحيح تماما فان فقدان الشباب لفرصة عمل في وقت باكر يعطل فهم روح المثابرة والإبداع، ويجعل مستقبلهم ومستقبل أسرهم ومجتمعهم في مهب الريح.

 ولا شك أن هناك عوامل مختلفة تقف حالا دون تحقيق فرص عمل للشباب، وفي مقدمتها الوضع الاقتصادي الصعب، حيث تسـاهم الحالـة الاقتصاديـة للبلــدان الناميــة في تعزيــز الوضـع غـير المسـتقر الـذي يعيـش في ظلـه كثـير مـن الشــباب. ففي كل من البلدان الناميـة والمتقدمـة النمـو، لم يجـر بعـد تلبيـة احتياجات وآمال ملايين من الشباب. حيث ترتبط حالة الاقتصـاد في أي بلــد ارتباطــا مباشــرا بقــدرة ذلــك البلــد علــــى تلبيـــة احتياجات قطاعات كبـيرة مـن العـاطلين عـن العمـل. وكثـيرا مـا تكـون الحالـة الاقتصاديـة في كثـير مـن البلـدان غـير مواتية لمشاركة الشباب وتنميته، ومن ثم، يتعذر على الشباب أحيانا أن يفـوا بدورهـم كعنـاصر فاعلــة في التنميــة المجتمعية.

 كذلك يصعب علـــى كثـــير مـــن البلــــدان، لاسيما البلدان النامية أن تفــــي باحتياجات التوظيف للملايين مـن الشـباب الذيـن يعـانون مـن البطالـة مثل سن التشريعات والقوانين وتنظيم إجراءات العمل وتوفير الحقوق للعمال في الوقـت الـذي تكـافح فيـه هذه البلدان لمواجهـة الديـون الخارجيـة، وحالات العجز، وانعدام سـبل الوصـول إلى الأسـواق الخارجيـة، وانخفاض أسعار السلع الرئيسية، وتحريـر الاقتصـاد.

 وفي ظل المتغيرات الدولية والانفتاح الاقتصادي والتطورات العلمية والتكنولوجية والتقنية التي يشهدها العالم، وما قد ينتج عنها من تغيرات سريعة في المفاهيم الاقتصادية والمهن ووسائل وفنون الإنتاج، تشعر جميع البلدان المتقدمة منها والنامية أنها تفتقد إلى الاهتمامات بمنظومة تنمية الموارد البشرية، وبصفة خاصة في مجالات التدريب المهني، وتنمية المهارات، أو إضافة مهارات جديدة في سبيل مواكبة التطورات السريعة والتكيف مع احتياجات سوق العمل. حيث يفتقر الشباب في كثير من الأحيان إلى المعلومات المناسبة والتوجيه والمشورة فيما يتعلق بالفرص المتوفرة في سوق العمل. حي أن من شأن المشورة والتوجيه المهنيين أن يساعدا الشباب على تجاوز خبرتهم المحدودة، وضعف شبكاتهم الاجتماعية. ويمكن للمستشارين الماهرين في مجال التوجيه والذين يملكون معلومات حديثة عن فرص سوق العمل، أن ينجحوا بفاعلية في زيادة عدد الوظائف وتحسين نوعيتها.

 وبناء عليه؛ ومع كل تلك التحديات الداخلية والخارجية، والظروف الاقتصادية المزرية للدول النامية والمتقدمة على حد سواء، فان دعوات تمكين الشاب هي دعوات متجددة ومستمرة، ولن تتوقف مادام هناك أجيال شابة تريد أن تأخذ دورها في المجتمع، وتريد تحقيق أهدافها الذاتية والمجتمعية.

 ويعــني تمكــــين الشـــباب منحـــهم الصلاحيـــة كأشـــخاص أو كأعضــاء في منظمــات الشــــباب أو في المجتمعات المحليـــة أو الهيئات الوطنية والدولية، حتى يتولوا اتخاذ القرارات التي تؤثـر على حياتهم ورفاههم بدلا مـن أن تتخـذ نيابـة عنـهم قـرارات قد لا تتوافق مع رغباتهم أو مصالحهم الفعليـة. كما يمكـن تعريـف مســـألة تمكــين الشــباب بانها تعميق للوعي بالمعوقات التي تحول دون المشـاركة الاقتصاديـة والسياسـية والاجتماعيـة والثقافيــة، وزيـادة للقـدرة علـى الاسـتفادة إلى أقصـى درجـة مـن الفـرص المتاحة للتغلب على تلك المعوقات تحديدا الحصول على فرص عمل لائقة.

 نعم، إذا توفر للشباب المزيج المناسب من الحوافز والأفكار والفرص، فإنهم أكثر من قادرين على إنشاء أعمال تجارية منتجة وخلاقة، والانخراط في ممارسة الأعمال التجارية ينقل الشباب من (باحثين عن عمل) إلى (خالقين لفرص العمل) ومن (الاعتماد على المجتمع) إلى (الاكتفاء الذاتي) ولكن على الرغم مما تنطوي عليه ممارسة الأعمال الحرة من منافع محتملة، فان غالبية الشباب ما زالوا يتوقعون أن توفر لهم الدولة فرص العمل بدلا من أن يخلقوا هذه الفرص بأنفسهم ويوظفوا غيرهم، ويعزى إخفاق الشباب في الانخراط في الأعمال التجارية إلى مجموعة من العوامل هي: المواقف الاجتماعية – الثقافية إزاء ممارسة الشباب للأعمال التجارية، وافتقار المناهج الدراسة إلى التدريب في مجال مباشرة الأعمال الحرة، وعدم كفاية المعلومات عن الأسواق، وعدم تقديم الدعم، وتوفير الهياكل الأساسية للمؤسسات التجارية، وقلة فرص الحصول على التمويل.

 بالمحصلة، ان من حق الشباب والشابات حق الحصول عرى فرص عمل لائقة ومستمرة يتقوتون منها ويبنون مستقبلهم ومستقبل أسرهم ومجتمعاتهم، وأن هناك مجموعة عوامل تحول دون تحقيق ما يطمح له الشباب، وهي ثلاث فئات: العوامل التي تؤثر على خلق العمالة والتي تشمل الطلب الإجمالي والنمو الاقتصادي؛ والعوامل التي تؤثر على شروط العمل كالتشريعات واللوائح ودورة الأعمال؛ والعوامل المتصلة بقابلية الاستخدام بما فيها التعليم والتدريب والخبرة المهنية وخدمات سوق العمل. وأن توفير فرص عمل للشباب والشابات يكون بحاجة إلى توفر مجموعة من المتطلبات الأساسية، ومنها:

1. ربط التعليم في الجامعات بمتطلبات سوق العمل على أساس تخرج كوادر أكثر قدرة على تحمل مسؤولية التنمية بواسطة التقنية الحديثة، وأكثر قدرة على مجاراة روح العصر الذي يتصف بسرعة المتغيرات في مجال العلوم والتكنولوجيا؛

2. بناء مدارس مهنية عصرية مهمتها الأساسية توفير المهارات العقلية والمهنية للشباب والشابات في مجالات تخصصية تمكنهم بالمستقبل من الحصول على عمل لائق ومستقر؛

3. تمكين الشباب عن طريق منحهم القروض الصغيرة والمتوسطة بما يتيح لهم فرص استثمارها في مشاريع تدر عليهم دخلا، وتؤمن هدف التنمية التشاركية؛

4. تعزيز السياسات والبرامج وآليات التنسيق الوطنية المتعلقة بالشباب بوصفها أجزاء أصيلة من التنمية الاجتماعية والاقتصادية، بالتعاون مع القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية؛

5. هناك حاجة أيضا إلى أشكال مختلفة من التدريب لمعالجة مشكلة محدودية مهارات الشباب عند تركهم للتعليم النظامي، وفي هذا السياق يمكن أن توفر الحكومة مراكز تدريب جيدة أو مدارس تدريب أو تقديم دعما مالي لتمكين القطاع الخاص من توفير مرافق التدريب.

شاهد أيضاً

انتبهوا.. 13 خطأ تجلب الحسد والفقر والحزن في المنزل

وعرضت دكتورة سهام عيد، خبيرة طاقة المكان، أهم الأشياء الموجودة داخل المنزل وتساعد على تمكن …

error: Content is protected !!