صوتها:مقالات
فوزي الاتروشي
اين التقيك ؟ سؤال فج وساذج فأنت متناثرة في اللازمان واللامكان لان كل مكان مكانك وكل زمان زمانك ، وانت متوزعة في مسامات الارض وفي كل الفضاءات التي نتنفس من خلالها الهواء النقي الطلق .
في كل انشغالاتي الثقافية اليومية تخرجين من بين ثيابي على هيئة قصيدة خضراء ندية ان كنت في مهرجان للشعر او قطعة رخام باسقة مثل تمثال الهة يونانية ان كنت في معرض للنحت وتكونين اجمل لوحة تشكيلية تخطف بصري ان تفقدت لوحات الفن في قاعات المكان الذي طالما جمعنا معا .
ثمة من ما زال مسطح الفكر محنط العقل ومنغلق الذهن ينعتك بناقصة العقل و الفكر والانتاج والابداع رغم ما في الكون من علامات وبراهين على انك الاصل والجنة التي تجري من تحتها الانهار وبقعة الضوء الاولى التي منحت الارض عشقها وحضارتها و اناقتها و جعلتها مؤهلة لتكون بيتا للبشرية .نحن في لقاء دائم بك في اطنان من دواوين الشعر وملايين الاغاني وكتب الحب ولوحات اللون والضوء و غابات الاشجار المثمرة فحيثما عم الخير انت حاضرة واينما توجهنا نصطدم بك فلا مكان يخلو منك ومن تجلياتك العامرة بالحياة .
في الاساطير اليونانية تبرزين الهة للجمال والحب ، وفي وادي الرافدين تتخذين اسم عشتار الهة الجمال مع تموز الهة الخصب التي الهمت اجدادنا الاوائل ان نعمة السلام على الارض غير ممكنة دون نعمة الحب والتصالح مع الطبيعة والارض والماء لبناء اولى لبنات الحضارة على ارض كانت صماء مقفرة قبل ذلك .انت الانثى التي تقف ملهمة خلف كل التراث البشري من الادب والفن وهل كانت اللوحات التشكيلية الاولى قبل الاف السنين على جدران الكهوف والمغارات وعلى مفارق السبل ممكنة لولا وجهك الذي ابتسم بغنج انثوي لتوميء للرجل بالتخلي قليلا عن هواية القنص وتجربة هواية الحب فكانت اولى بذرات التلاقي والتلاقح التي وضعت اسس البشرية . وبعد كل هذا تقولين كيف نلتقي ؟ الست الحرية والسماء والارض والشمس والكلمة الطيبة ؟ وكلها انثى ، والست اللغة والابجدية والقصيدة والخاطرة والرواية والحكاية والقصة ؟ وكلها انثى ، والست الاغنية والانشودة والترتيلة و البلاغة ؟ و كلها انثى . ثمة من يتعامى على نعمة وجودك على الارض شريكة في الحياة و يتغابى اذ ينتقص من كرامتك الشخصية و يحاول الاستفراد بالقوة والجاه والسلطة والقرار لكن كل ذلك الى زوال اذ يشعر بالحاجة لينام ولو دقيقة بين ذراعيك و يضمك ويعانقك ويشم انفاسك العطرة . ثمة من يتنكر لفضلك و يستكثر عليك المدح و يستعين بكل قناع مزيف ليقلل من فضائلك لكنه في النهاية يعود الى ملاذه وسكنه وهو منخور القوى وفي اشد حالات الحاجة اليك اما واختا وصديقة وزوجة و زميلة و شريكة حياة بدونها تستحيل الحياة .ثمة من يدعي انه لم يحب ولم يعشق ذات يوم امرأة وانه ممتنع عن الانثى وانه عصي على الخضوع لكنه في حقيقة الامر اول الهاربين اليك اذا الم به الالم او حلت به مصيبة او اجتاحه الحزن فانت مفتاح الفرج وركن الاستراحة ومربع العشب والندى . ثمة من يدعي ويكتب ضدك في الصحف و يكرس الدين عن سابق قصد واصرار لاهدار دمك او لتقييدك في بيت الطاعة او لرفض حقك المصان شرعا وقانونا وكل ذلك بهدف جر المجتمع الى عالم القرون الوسطى لكن ما لا يعلمه ان دورة الحياة لا تتراجع وعقارب الساعة لا تتجه الا الى الامام وان مسيرة البشرية محكومة بك مثلما هي مرتبطة بنا نحن الرجال . فهل بعد كل هذا ادركت كم انت قوية داخل تضاريس الارض ؟ وعرفت ان الحضارة لا تسير لحظة ان توقفت انت عن دفع عجلتها معنا الى الامام … ولهذا بالذات سيدتي نحن متخلفون هنا في هذه الارض لانك مغيبة قسرا وعنوة عن لعب دورك الصانع للحياة فهلمي وشمري عن كل قواك يا ام الارض .