البحث عن وزير للثقافة في العراق- فوزي الاتروشي

البحث عن وزير للثقافة في العراق

صوتها/مقالات

فوزي الاتروشي

في بلد سومر و اكد وبابل واشور وفي موطن الخط المسماري الناقل للبشرية من الشفاهة الى الكتابة و مهد اول قانون ينظم الحياة الاجتماعية سنه راعي الحضارة الاول حمورابي، في هكذا تضاريس تشبعها الرافدان ماءا ثمة من يبحث عن وزير صالح للثقافة، اجل في مكان جرت فيه احداث اول ملحمة للخلود بطلها كلكامش و في مدينة بغداد التي شبعت اجناسا وانواعا واعراقا وثقافات و شعرا وغناءا وفكرا وفلسفة وعند اثار اول جامعة في العالم هي المستنصرية ثمة من يفتش عن وزير للثقافة يشفي الغليل و يشبعنا بقيم جديدة معاصرة للثقافة يضاف الى صرح بغداد والبصرة والموصل واربيل القلعة والمنارة. على تخوم تاريخ مشبع بالمؤلفات و الكتب والدواوين و رسائل” اخوان الصفا” و مناظرات و افكار ورؤى المعتزلة و الاشاعرة و فقه (ابي حنيفة) الامام الاعظم و (جعفر الصادق) و (الشريف الرضي) و (ابو نؤاس) و (بشار بن برد) الاعمى البصير و (ابي تمام) و(الجاحظ) و (ابن المقفع) و جيش من المغنيات والمغنين والملحنين والرسامين والوراقين في المكان الذي يسمى الان شارع المتنبي، نقول في مدينة هذه بعض عناوينها تعجز الحكومة عن اختيار وزير للثقافة قامته بقدر قامة بغداد و ذاكرته عميقة الغور مثل ذاكرة عاصمة ما زالت الى الان ورغم كل ما حل بها من خراب ودمار و حرائق تسمى مدينة الالف ليلة وليلة استذكارا لاجمل ما روته شهريار من قصص لشهرزاد.

في وطن هبت نساؤه قبل رجاله للتأسيس لعالم من الغناء والطرب الاصيل منذ عشرينات القرن الماضي والانهماك في الرسم التشكيلي و الكتابة و ريادة الشعر التى انعقدت ل(نازك الملائكة)، وفي بلد (جواد سليم) صاحب نصب الحرية و (الجواهري) و(الزهاوي) و(الرصافي) و(عبد الجبار عبدالله) و (زها حديد) و (لميعة عباس عمارة) و(السياب) و (بلند الحيدري) و (كوران) و (غائب طعمة فرمان) و(يوسف العاني) و(سامي عبد الحميد)، نقول في هكذا بلد تدعي الحكومة انها لا تعثر على وزير يقود الثقافة و انها لم تجد اسما من بين كل عناوين العراق الثقافية لشغل الموقع.

ماذا لو كانت كل هذه الاسماء حاضرة الان في بغداد وهي تراقب اداء الحكومة في اختيار راعي للثقافة و من المؤكد ان قائمة الاسماء الاعلام الراحلين والاحياء طويلة الى الحد الذي لا يمكننا حصرها.. ماذا كان سيحصل سوى ان الاسى والاسف سيعلو الوجوه والشفاه من كثرة الحزن.

في العراق ليس ثمة فقر في الاسماء ولا جفاف في المخزون الثقافي و لا غياب لتاريخ ثقافي تراكمي، انما الغائب هو فهم اهمية الثقافة ودورها المحوري في بناء الانسان والدولة والمجتمع وتنمية قيم اللاعنف والسلام والتناغم والوئام. هذا الاستيعاب العميق لدور الثقافة والمثقف هو المغيب قسرا.

في كل البلدان المتحضرة تأتي مكانة وزير الثقافة بعد رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء، و وزير الثقافة عادة هو اكثر الناطقين باسم الحكومة وسياستها ومواقفها، لانه الوزير الذي يجسد ثقافة البلد فنا وادبا وفكرا. وفي دولة فيدرالية مثل المانيا هناك وزارات للثقافة بقدر عدد ولاياتها وتحظى منظمات المجتمع المدني المعنية بالثقافة باهتمام كبير سواء منها المعنية بالثقافة الالمانية او ثقافات الجاليات القاطنة في المانيا.

لكن مما يوجع القلب و يبعث على الاستغراب الشديد ان احزابا في العملية السياسية في العراق وشخصيات يفترض فيها انها متعلمة تستهزيء بالثقافة و تطعن في اهميتها وفي القيمين عليها، دون ان تدرك انها انما تستهزيء و تهين هويتها وتاريخها وقيمها و مثلها و اساس وجودها لان شعبا بلا ثقافة يعني انه اشبه بالقبائل التي ما زالت في تعيش في غابات بمنأى عن التحضر والبشرية.

ولهؤلاء لنا كلمة نقولها بصراحة ان من يتردى الى مرحلة الاستهانة بالثقافة لا يصلح ان يبقى اصلا في العملية السياسية حزبا كان او فردا لانه سيكون عدو نفسه قبل الاخرين، ونقول نفس الشيء للماسكين بايديهم مقص الرقيب لمنع وتحريم الاصناف الادبية والفنية باسم العادات البالية او الادعاء باسم الدين او الطائفة انكم خاسرون وانكم في عملكم هذا تغتالون المبدع و تجففون منابع الابداع فالحرية اساس الانجاز والابتكار والخلق الجمالي.

الخلاصة ان في العراق اسماء كثيرة لمسك الملف الثقافي والبحث عنها من ايسر الامور والعراق يستحق ان يكون لثقافته اسم وعنوان اصيل حالنا حال امم الارض التي تسوق ثقافتها على احسن ما يرام.

واليوم فان المثقفين في العراق بشتى انتماءاتهم وتنويعاتهم العرقية والفكرية امام اختبار للتأثير القوي والحاسم نحو اختيار صائب وسليم يجعل الوزارة قادرة ومتمكنة على تمثيل واستيعاب الهم والشان الثقافي العراقي.

لقد تم ابان النظام الدكتاتوري وعلى مدى عقود ادلجة و شخصنة الثقافة لتصبح مجرد صدى اعلامي لفكر النظام، لكنها في العهد الجديد بعد التحرير وقعت في آفة الاستهزاء بها وتحريم اكثر مظاهرها مثل الموسيقى والغناء والنحت والتشكيل من قبل بعض التوجهات الدينية المتشددة التي وان لم تؤثر بشكل كامل على اداء الوزارة لكن تأثيرها الجزئي كان واضحا والحال ان المرحلة القادمة يجب ان تشهد اختفاءا كليا لهكذا توجه.

 

شاهد أيضاً

العراق وطن القلوب والحضارة

اللواء الدكتورسعد معن الموسوي أنا دائمًا ما أبتعد عن الحديث في السياسة وعراكها، لكن عندما …

error: Content is protected !!