فنجان مقلوب

د. نبراس المعموري

تحتسي القهوة بهدوء مصحوبة باستدارة بطيئة؛ بانتظار من يضرب لها الودع لا بحجارة مختلفة الالوان بل بفنجان مقلوب! لم تجزع وهي رهينة الانتظار؛ فهناك خيال امرأة قريب ماهرة بترجمة ذلك المسحوق المرسوم في قعر وجدران الفنجان المخروطي.

نستجدي الاسترخاء بشربنا القهوة لعلنا نتخلص من وجع تعب يوم ملبد بالاعمال وحيرة في انجاز هذا وذاك فتكون قراءة الطالع حلاوة وقت الاحتساء مرهونة بسؤال المحيطين من فيكم يقرأ الفنجان؟ فندرك حين سماعنا الاجابة ان الكثير يساورهم ذات الشعور! فشغف معرفة المجهول عادة يشترك فيها اغلب خلق الله. لفت انتباهي فنجان زميلتي وهي تنتظر النبوءة من فم امرأة قابلتها بالصدفة متلهفة لسماع ما يطمأنها، كانها في حيرة من امرها.. شربت القهوة بسرعة وقلبت فنجانها وهي تتكلم بصوت خافت كأنها تقرأ نصا لاهوتيا لا يختلف عما يقوم به طالبي المعجزات.

ابتدأت قراءة الفنجان بالحديث عن الحسد والرزق الضائع وعن طيبتها يقابله خبث الناس وهي تبتسم كأنها تنتظر تلك الكلمات.. رغم انني اعلم جيدا ما تنتظر ان يقال! بكل الاحول تلك الكلمات اسعدت قلبها بعد ان استوطنه الحزن متربعا على ويلات الماضي والحاضر. انتهت تلك الدقائق المصحوبة بالقهوة بثرثرة لم تخلو من فضول قارئة الفنجان، لكن سؤالي اي قهوة هذه التي ترسم مستقبل مجهول قد يتغير وفق دوامة الحياة التي تجرف ساكينيها يمينا ويسارا؛ فقهوتنا اختلفت باختلاف المقاهي والجلسات، واختلفت ايضا بشكل فناجينها مخروطية ام غير ذلك، الا انها تشابهت بمرارتها التي اعتدنا عليها.. طعم رافق حياتنا مسيرين لا مخيرين!، دربنا انفسنا على العيش ضمن ارهاصات الاخر بلونه الاجتماعي والسياسي والاستمتاع مبررين افعال الاخر التي لاتنسجم مع وجودنا البشري، فأصبحت القسوة حالة طبيعية ومبررها مجتمع وعادات وتقاليد وممنوعات ومحظورات.

فنجان زميلتي جعلني افتش في سر حبنا الى اللون القاتم و الطعم المر.. لو لم نعتاد على رؤية الاشياء قاتمة ومرة؛ لما اعتدنا ان نشرب المر ونتلذذ به، فنحن من نختار طالعنا اذ كان ابيض ام اسود، ونحن من نختار ان يكون طعم حياتنا حلو ام مر، ونحن ايضا من نختار ان يقلب فنجاننا ونبحث عن اي شخص يقرأ الطالع ليضحك علينا بمفردات تشابهت مع الجميع.

نطرق الارض حيرة، ونبحث عمن يقرأ ما في صدورنا… نوشم الفناجين بايام عمرنا، لكن علينا ان نكون على يقين اننا يمكننا وشم خطواتنا بالاصرار على الوجود كيفما يجب ان يكون دون اللجوء الى فنجان مقلوب.

شاهد أيضاً

غيبوبة المدى !

د. نبراس المعموري قد يبدو مصطلح (غيبوبة المدى ) ذو طابع أدبي أو فلسفي، لكنّني …

error: Content is protected !!