صوتها/هن
عاملات النظافة، شريحة من النساء العاملات اللائي يعانين بصمت دون أن يجدن صوتاً ينطق باسمهن ويوصل واقعهن المزري.. تجدهن في كل مكان عمومي وخاص، تصادفنك في الصباح الباكر وفي الليل الحالك، ببدلة بيضاء يحملن بيُمناهن عصا المكنسة وفي يسراهن دلو تجميع النفايات، منهمكات في حفظ الأمن الصحيّ للمواطنين مقابل أجر شهري زهيد وحقوق اجتماعية مهضومة..
عكس بعض الدول الغربية، تبقى عاملة النظافة في المغرب مثار الشفقة نظراً لوضعيتهن الاجتماعية الهشة التي تبدو على ظاهرهن، وتتجلى في اعترافات استقيناها خلال جلسات حوار أخذتنا معهنّ في وقت عابر، حيث يبقى الخيط الناظم الذي يجمع هذه الفئة من نساء المجتمع هو لجوءهن الاضطراري إلى هذه المهنة الشاقة إما بسبب عالة مادية أو طلاق أو مخافة تشرّد أسريّ.. أو حتى لانعدام فرص عمل لائق بالمستوى التعليميّ.
معاناة..
عائشة، أو “مّي عيشة” كما يناديها سكان إحدى الإقامات السكنية بسلا، تتناوب وزميلات لها على تنظيف سلالم العمارات وواجهاتها، بشكل أسبوعي، كما يمكنها أن تنخرط وقت تلك المهمة الصعبة في تنظيف داخلي يشمل بعض المنازل والغرف والمحلات بطلب شخصي من أصحابها مقابل عرض ماديّ يتنوع حسب الزبون.
“أنا مطلقة منذ سنوات، ولي ابنة واحدة تدرس في الابتدائي ولأجلها أعمل”، تقول عائشة وهي تتحدث لهسبريس، مضيفة أن زوجها السابق كان يحدد مصدر رزق الأسرة، إلا أن طارئ الطلاق جعل ثقل المسؤولية الاجتماعية يستمر على ظهر هذه الخادمة، فيما أكدت لنا أن الأجر الشهري الذي تتقاضاه من طرف الشركة المسيرة للإقامة السكنية لا يتجاوز 1000 درهم، والذي يأتي في غالبه من التزامات الساكنة الشهرية.
أما سعاد، وهو اسم مستعار لعاملة نظافة حاصلة على دبلوم مهني بمحطة القطار بالرباط المدينة، فتقول في حديث عابر لهسبريس إن توقيت العمل وجودته وظروفه مع أجره الزهيد لا يلبي طموحها، “تختلف ساعات العمل عندنا لأننا نعمل بالتناوب لأزيد من 10 ساعات”، مضيفة أن خادمات النظافة هنا تختلف مهامهن بين المداومة على دورات المياه وتنظيف الأرصفة وأماكن تردد المسافرين والمارة.
وإلى جانب هذه الوضعية، تبقى السمة الجامعة لخادمات النظافة هي حرمانهن من حقوق عديدة، أهمها الحد الأدنى من الأجور القانوني، وعدم تعويضهن في حالات الحوادث أو فقدان الشغل أو طارئ صحي، وعدم إدراجه في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إلى جانب عدم توفرهن على التغطية الصحيّة ووثائق الترسيم الإداري والقانوني في الشركات المشغلة.
بالعودة إلى الإقامة السكنية، يقول عبد الرزاق، وهو المسؤول على خدمات الحراسة والصيانة والنظافة، داخل الشركة الخاصة التي تشغل خادمات النظافة، إنّ الأجر الشهري لهؤلاء يبقى متصلا بالواجب الشهري الذي تتلقاه الشركة من طرف الساكنة، “المساهمة التي تراوح قيمتها ما بين 50 إلى 80 درهم لا يمكنها أن تلبي كل الحاجيات المرجوة من الأجر الشهري للحراس وخادمات النظافة وصيانة المجمع السكني.. لأنه المصدر الوحيد لأرباح الشركة”.
مطالب بالإنصاف..
من ضمن الخطوات الرامية إلى لفت الانتباه لهذه الشريحة من النساء، مُراسلة قدّمتها نقابة المنظمة الديمقراطية للشغل، إلى الوزيرة المنتدبة المكلفة بالماء، التي أثارت المعاناة الاجتماعية في حرمانهن من حق التغطية الصحية والتعويضات ووثائق الترسيم الإداري
النقابة المذكورة، ووفقا للمراسلة التي توصلت هسبريس بنسخة منها، تحدثن عما وصفته “الحيف الذي يطال عاملات النظافة” بالإدارة العمومية، والمتمثل في “حرمانهن من الحد الأدنى القانوني للأجور (ما يقارب 1200 درهم شهريا)، وعدم التصريح بهن لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي”، وهو ما رأت فيه إهانة لهن من طرف الشركة المشغلة وخرقاً صارخاً للمقتضيات القانونية.
واعتبر المصدر ذاته أن من واجب الإدارات العمومية الالتزام بفرض سيادة القانون كإحدى أولوياتها، عبر إلزام الشركات المتعاقدة معها بالشروط والضمانات المتعلقة بضمان الحقوق الاجتماعية للأجراء “كتوفير الأجير على بطاقة مهنية تحمل بياناته الشخصية، خاصة منها رقم تسجيله بالصندوق، ومبلغ أجره الذي لا يمكن أن يقل عن الحد الأدنى القانوني للأجور”.
وتوضح المراسلة أن قضية الحد الأدنى من الأجور يجب أن ترتبط بتطبيق المادة 345 من الظهير الشريف من دفتر الشروط الإدارية العامة، والتي تنص على قيام صاحب المشروع بتعويض العمال المتضررين من النقص في الأجرة عن الحد الأدنى القانوني، على أن يخصم مبلغ التعويض من المبالغ المستحقة للمقاولة.
وتطالب المنظمة الديمقراطية للشغل، (المنظمة الديمقراطية للتجهيز والنقل والماء والبيئة)، باحتفاء يليق بشريحة عاملات النظافة في الإدارة العمومية، وأن يكون الموعد العالمي، الذي يصادف الثامن من مارس لهذا العام، “مناسبة حقيقية” للالتفاتة إلى هذه الفئة، عبر ردّ الاعتبار لهن “في أفق إنصافها وتمكينها من حقوقها الاجتماعية الكاملة”.