التعليم هو حلم المرأة في شرق السودان

صوتها/هن

تشبه جميلة موسى، البالغة من العمر 29 عاما، وهى مغطاة من الرأس إلى القدم بثوب سودانى أزرق طويل، أى امرأة أخرى متواضعة الملبس من قبيلة بنى عامر في شرق السودان، التى تشكل جزءا من قبيلة بيجا.

تعلم القراءة والكتابة

ولكن جميلة امرأة مختلفة – فهى من النساء القليلات اللاتى يستطعن القراءة والكتابة. وهى واحدة من بين عدد متزايد من نساء بنى عامر اللاتي تتعلمن القراءة بهدوء ولكن بعزم، متغلبات بذلك على التحيزات الزاعمة أن التعليم للأولاد والرجال فقط.

وتمثل النساء العمود الفقري لكثير من الأسر فى تلك المنطقة، التى عانت كثيرا من الجفاف على مدى عقدين من الزمان، ومن آثار عمليات نزوح السكان بسبب الصراع داخل المنطقة، وفى إرتيريا وإثيوبيا القريبتين منها. واضطر بعض الرجال غالبا لمغادرة المنطقة بحثا عن العمل، فيما كان يتعين على النساء توفير الغذاء لأسرهن وتلبية احتياجاتهم. وتقول جميلة موسى ” أردت أن أتعلم لأرعى أسرتى وأخدم قريتى”.

كل مرة أذهب لأخذ دروس محو الأمية، تزداد معرفتي لأنني أتعلم كيف أعبر عن نفسىجميلة موسىوتعتبر ولاية كسلا، الواقعة في شرق السودان والتي تحيط بها الجبال القريبة من الحدود مع إرتيريا، موطنا لعدد متنوع كثيرا من القبائل التى تختلف فيها أدوار النساء وفقا للتقاليد المتبعة. وتجبر بعض هذه التقاليد النساء بالبقاء فى المنزل لرعاية أسرهن؛ بينما يسمح للنساء فى قبائل أخرى بالعمل وتدريب غيرهن من النساء فى مجالات تعتبر مناسبة لهن، مثل الحياكة والطهى.

أنشطة تدريبية

وتعيش جملية فى قرية دار السلام التابعة لقبيلة بنى عامر بالقرب من الجبال مع زوجها وطفليها. وهى ضمن المئات من النساء اللاتى يلتحقن بدورات محو الأمية وتعلم المهارات التى ينظمها برنامج الأغذية العالمى والجمعيات الأهلية العاملة في المنطقة.

تعلم كيفية صناعة السجادوتساعد الأنشطة التدريبية التي ينفذها برنامج الأغذية العالمى على توجيه النساء الضعيفات فى شرق السودان بهدف إكسابهن بالمهارات التي تساعدهن على زيادة دخول أسرهن، فهن يتعلمن الطهى، وحياكة الملابس، وصناعة السجاد، والحقائب، حيث يتعلمن دروسا عن الممارسات الصحية، والعنف ضد النساء. كما يتلقين دروسا فى الطهى، حيث يتعلمن كيفية إعداد أنواع مختلفة من الحساء باستخدام المواد التموينية التى يحصلن عليها كل شهر من برنامج الأغذية العالمى.

وتذهب جميلة لأخذ دروس تعلم القراءة والكتابة أربع مرات فى الأسبوع. وتتكون المدرسة من هيكل بسيط، مبنيا من الخشب، وجدرانه مكسوة بطلاء قوى من خليط من الطين وروث البقر.

محو الأمية

وتقول جميلة “كل مرة أذهب لأخذ دروس محو الأمية، تزداد معرفتي لأنني أتعلم كيف أعبر عن نفسى”. وفى أوقات ما بعد الظهر، عندما تنتهى الدروس، تذهب جميلة لزيارة جاراتها وتعلمهن الدروس التي تكون قد تعلمتها فى ذلك اليوم.

تعليم المرأة عامل رئيسي في تحقيق أحلامهاوتعتبر هذه الدروس، بالنسبة لجميلة، بمثابة حلم تحقق. وتقول جميلة ” كنت أحلم طوال حياتى بتلقى تعليم جيد، ولكنى لم أستطع تحقيق ذلك بسبب تقاليد قبيلتي التي تفضل تعليم الأولاد على البنات”. وتضيف “كنت أريد خدمة مجتمعى. وأنا أتعلم الآن أساليب الإسعافات الأولية لأن أقرب عيادة تبعد 30 كيلومترا عن قريتى. التعليم عامل رئيسي في تحقيق جميع أحلامي. إنني وزوجي حريصان على أن يتعلم أطفالنا تعليما جيدا، لكى نخدم مجتمعنا بقدر استطاعتنا”.

وتعتبر الدروس التى تتلقاها جميلة جزءا من برنامج أطقه برنامج الأغذية العالمى فى كسلا فى العام الماضى، بالتعاون مع هيئة التعليم المفتوح فى السودان، بهدف زيادة وعى النساء بأهمية التعليم ومساعدتهن على تعلم المهارات المنزلية ورعاية الأطفال.

وتتلقى النساء اللاتى يحضرن هذه الدروس حصة غذائية شهرية تساعدهم على إمكانية استمرارهن فيها.

استثمار طويل الأجل

ويقول أحمد لومومبا، المسئول عن المكتب الفرعى لبرنامج الأغذية العالمى فى كسلا “أن الحصص الغذائية هي بمثابة حافز تساعد النساء وأسرهن على التعويض عن العمل الذى كن يقمن به فى الحقول أو فى البيت. كما أن الوقت الذى تقضيه النساء فى برنامج التدريب يعتبرا استثمار طويل الأجل من أجل مستقبلهن ومستقبل أسرهن”.

الحصص الغذائية هي بمثابة حافز تساعد النساء وأسرهن على التعويض عن العمل الذى كن يقمن به فى الحقول أو فى البيتأحمد لومومبا، المسئول عن المكتب الفرعى لبرنامج الأغذية العالمى فى كسلاوتعتبر مصادر الدخل البديلة أمرا أساسيا فى شرقي السودان، الذي يعد من أفقر وأقل المناطق نموا فى البلاد، حيث تعانى نسبة كبيرة من الأسر من الفقر المزمن- بمعنى أنها غير قادرة على إنتاج أو شراء الغذاء الكافى لسد احتياجاتها معظم أو طوال العام. وقد أشارت دراسة أجراها برنامج الأغذية العالمى فى العام الماضى فى شرق السودان إلي أن معدل توقف النمو الشديد بين الأطفال فى ولاية كسلا يبلغ 19 فى المائة، مما يشير إلى وجود سوء تغذية مزمن.

برامج التغذية التكميلية والعلاجية

امرأة تتدرب على كيفية صناعة الحقائب وبينما يعمل برنامج الأغذية العالمى بالفعل مع وزارات الصحة والجمعيات الأهلية بالبحر الأحمر وولاية كسلا على توسيع برامج التغذية التكميلية والعلاجية للقضاء على سوء التغذية، على المدى البعيد، فإن هناك حاجة إلى مزيد من التعاون مع جهات أخرى والتمويل لاستمرار تنفيذ البرامج، مثل البرنامج الموجود فى كسلا الذى يساعد جميلة وأسرتها.

ويقول لومومبا “إن النساء فى كسلا يتعلمن مهارات مثل الحياكة مما سيؤدى إلى زيادة قدرتهن على كسب مزيد من الدخل فى المستقبل. إن النساء موهوبات كثيرا – وهن ماهرات بالفعل فى صناعة السجاد ذى الجودة العالية فى كسلا”.

وقد حضرت جميلة البرنامج التدريبى لمدة سبعة شهور، ولديها بالفعل خطط واضحة للمستقبل. وبمجرد إتمامها لدروس محو الأمية والتدريب على المهارات، فإنها تنوى إقامة شركة صغيرة مع جاراتها من النساء لحياكة الملابس وصناعة السجاد من أجل الأسواق المحلية.

شاهد أيضاً

دريا ترسم لمساعدة مرضى السرطان 

“اسمي دريا سالار حويز، عمري ٢٤ عاماً، تخرجتُ من كلية الأحياء في جامعة صلاح الدين …

error: Content is protected !!