صوتها/ ثقافة
تساءل العديد من النقاد الذين أطلّوا على نافذة المرأة في أعمال الكاتب والشاعر الإنجليزي الكبير “وليم شكسبير”، حول مدى نسوية هذا الأخير، وإمكانية تنزيل مصطلح النسوية في سياق لم تكن المساواة فيه بين الجنسين موضوعًا حارقا.
ويرى البعض أن شكسبير كان سابقا لعصره بامتداد وسع الأفق الذي لم يعه غيره من المثقفين والمفكرين، فكانت نظرته بعيدة المدى مستشرفة للمستقبل مع تهيئة الأرضية للمرأة في مساحته المعرفية التي انتشرت بعد وفاته.
وقد اتفق أغلب هؤلاء النقاد بأن الكاتب الانقليزي لم يكن ناشطًا نسويًا كما عهدناه في المصطلح الحالي، بقدر ما امتلك إحساسا عميقا تجاه النساء.
إذ صور نساءه في سياقات متعددة، تميزن في بعضها بالشجاعة والذكاء والطموح وبالاندفاع والأنانية أو السذاجة أحيانا.
واستكشف عوالمهن الداخلية بما تحمله من مخاوف ورغبات جنسية ومواقف ذكية لها وقعها في زمن ينظر فيه الى المرأة على أنها الحلقة الأضعف.
وقد لا تكون للنساء حقوق متساوية في عالم شكسبير، لكن في مسرحياته لهن الحرية في أن يكنّ نزيهات أو شجاعات أو محبات كالرجال. وغالباً ما تكون بطلاته متماسكات في حين يبدو الرجال منكسرين عاطفيا.
وقد ذكر رجاء النقاش في كتابه “نساء شكسبير” أن المرأة المسترجلة هي المثل الأعلى للنساء في ذلك العصر الذي تحكمه الملكة إليزابيث”.
وعرج على صورة النساء القويات في كتاباته “صاحبات الإرادة العالية والقدرة الكبيرة على اتخاذ القرار”.
فقد عبث شكسبير بأدوار الجنسين ليقدم صورة جديدة بعيدا عن الموجود، حيث تظهر المرأة أقل عاطفية من الرجل.
كما ذكرت آنا جيمسون في مؤلفها حول “بطلات شكسبير” التي تمثلت فيها خمسا وعشرينا صورة من صور النساء في مسرحياته، وعكست تنوعهن من نساء الذكاء والفطنة وأخريات للمطامع والمغامرات ونساء العاطفة والحنان وأخريات تركن بصمة في التاريخ.
وأكدت أن لكل منها صفاتها ونواياها، حيث قالت “إنه لأبرز اختلاف بين أنثى وأنثى في جميع الأمم”.
ويبرز ذلك في مسرحية “روميو وجولييت” وهي واحدة من أوائل مسرحيات شكسبير، التي ظهر فيها روميو كشخص لطيف شاعري وبدت جولييت على نفس القدر من الأهمية مع بطلها.
ولئن ظهرت شكليا في صورة نمطية كمراهقة رومانسية، فقد عكست ضمنيا ثقلا فكريا على النص بحماسها الذي بدى في علاقتها مع روميو. كما تدين المسرحية موقف عائلتها التي حاولت إجبارها على الزواج.
ولشكسبير في مسرحياته نساء مضحكات، مثل بياتريس في “جعجعة بلا طحن”، ونساء شجاعات مثل كورديليا، في “الملك لير”.
ونساء رومانسيات على غرار ديدمونة، في “عطيل عطيل” التي تجاهلت تهديدات والدها لتتزوج من حبها الحقيقي عطيل الذي قتلها بعد أن شك في خيانتها له.
كما صور نساء تميزن بالذكاء مثل بورشيا من “تاجر البندقية”، وأخريات متعطشات للطاقة مثل السيدة ماكبث.
وتظهر بولينا غير آبهة بموتها في “حكاية شتاء عندما يخبرها الملك بأنها ستحترق حتى الموت، فتجيبه “أنا لا أهتم”.
كتب شكسبير عن النساء القويات وكتب أيضا عن النساء الضعيفات من بينهم “أوفيليا” في “هاملت” وهي شابة رقيقة ومثالية لم تحتمل العيش وسط الدسائس وبعد قتل والدها من طرف حبيبها اختارت لنفسها الموت بين الزهور.
كتب هيلينا من All Well Well End End Well، وهي طبيبة موهوبة استطاعت أن تعالج الملك على مستوى الشرج. وعلى الرغم من إمكانياتها العظيمة في مجال الطب إلا أن تقضي كل وقتها وهي تشعر بالحزن بسبب رجل.
لقد كتب شكسبير بعض أقوى الشخصيات النسائية في الأدب العالمي بما تتصفن به من قوة وجرأة وربما يعود ذلك إلى تأثير السياق الاجتماعي والسياسي الذي عاشه في ظل الحكم الإليزابيثي.
إذ يعتبر بعض النقاد أن طقوس المرأة الإليزابيثية هو تقريباً أسلوب حياة منسي. وما نراه في مسرحيات شكسبير هو نظرة ثاقبة على شخصية الإناث كما تراها الثقافة الإليزابيثية. وتعكس شخصية شكسبير الأنثوية صورة المرأة في عصر الإليزابيث.
يذكر أن الممثلة والمنتجة الأسترالية، مارغو روبي، تعتزم إنتاج مسلسل تلفزيوني يتناول بعض مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي والممثل الإنكليزي، وليم شكسبير، من منظور أنثوي، حيث سيكون معظم القائمين على الإنتاج من النساء. وستتنتج مارغو لـ”هيئة الإذاعة الاسترالية” 10 حلقات غير مرتبطة ببعضها، وسيكون موضوع كل حلقة مسرحية مختلفة.
وفي تصريحات لشبكة “بي بي سي”، قالت أبيغيل روكيسون وودول من “معهد شكسبير” إنّ “هذه ليست فكرة جديدة، لكنها مرحب بها”. وأضافت “كانت هناك محاولات لتقديم مسرحيات شكسبير بهدف التعليق على شؤون معاصرة. هناك عدد كبير من العروض المختلفة للمسرحيات، بعضها يأخذ منحى نسويا”.
من جهتها قالت أبيغيل روكيسون وودول من “معهد شكسبير” لـ”بي بي سي” أنه إذا كانت مسرحيات شكسبير تسرد من وجهة نظر ذكورية أم لا، فإن معظم الشخصيات الرئيسية في مسرحياته هي شخصيات ذكورية. ولأن معظم المسرحيات تحمل في عناوينها أسماء الشخصيات الرئيسية، مثل عطيل وماكبث وهملت، فإن البعض يقولون إن هذا كاف لإعطائها منحى ذكوريا.