الشاعرة خالدة خليل والأسطورة الخالدة

صوتها/ ثقافة

الشاعر ذو الحيوية الكبيرة له قوة فكرية واعية

عصمت شاهين دوسكي

لیس من الصعب نشر فكر ثقافي أساسھ الحب والأمان والتواصل والتعایش والسلام ،حتى وإن استخدم الشاعر أسطورة إنسانیة أو مكانیة ،فالصورة التي یستخدمھا الشاعر من مواد جدیدة معاصرة أصلھا من الحیاة ،فالأسطورة تدوم تاریخاً طویلاً ولكن عمر الإنسان محدد لا یدوم طویلاً ، فالأسطورة ربما تكون مدخلاً سھلاً في ذھن الشاعر لكشف الحقائق ،والواقع ،خاصة إن كانت أسطورة من واقع الإنسان ولیس من بحر الخیال ،الشاعرة خالدة خلیل التي ولدت في قضاء الشیخان ، في الموصل ،العراق ، والتي تخرجت من كلیة الآداب – جامعة الموصل – قسم اللغة العربیة ،ودرست القانون في كلیة القانون – جامعة الموصل ،ودرست اللغة الألمانیة في جامعة زارلاند – ألمانیا ، وأصدرت كتب عدیدة في الشعر والروایة ،وكتب مشتركة مع مؤلفین خاصة إنھا تجید اللغات العربیة والكوردیة والألمانیة والإنكلیزیة ، في خضم ھذا البحر الفكري المتقد بالإبداع والتواصل ، تعكس بكلماتھا المعاصرة صور البؤس والخذلان لرغبات قاتمة ،طاغیة على ھدیر الجوع والحرمان لسنوات عجاف ، فتأتي كلماتھا ثورة على الواقع المؤلم ، ولیس تخدیراً یركن للرضوخ والسكون ، وبدلا من اندثار الصورة المعاصرة ، نلاحظ ترسیخ الحوار والإشارة إلیها ، بل تكون مولداً جریئاً لنشر الوعي ، بیقظة الأسلوب  والاتجاه ،إمكانیة إعادة الأسطورة . الإنسانیة بشكلھا العصري ، تعطي دلیلاً علیھا

“((أما ھو فخذوه ”

   لن أتمرغ بخذلان

   أو أفتح صدري لزعق نهار

   فلتعلقني على مسامیر رغباتك

   قیود السنوات العجاف))

تشیر الشاعرة خالدة خلیل إلى عبارة شهيرة (أنآنا) قالتھا ساعة أرادت أن یؤخذ تموز إلى العالم السفلي بدلاً منھا، وكانت تعرف إنه لن یتمرغ في الوحل كما یفعل الآخرون. ومن خلالھا تتحرك في سلسلة من الصور الشعریة الأسطوریة الإنسانیة المعاصرة فصور (الكوارث –  الهزائم) تحتاج إلى قلوب تؤمن بمبادئ الحب والسلام المتعلقة على صخرة التسلط الطائشة، الجاهلة، وھي صور لانحدار الهزيمة في الإنسانیة المعاصرة، فالإشارة إلى الكوارث والھزائم تأكید للفكرة وداعماً للنص الشعري، وفي نفس الوقت، تصور الأنماط المختلفة التي تمثل العصر، والتي تمد الشاعر، بمشاهد كبیرة ومثیرة ومضطربة، تمكنت الشاعرة خالدة خلیل من سحب بلاط الأسطورة لغرض تجلي صور واقع الهزيمة، ومن أجل التفاعل الواعي معھا، فإن كل صورة شعریة ناجحة، ھي علاقة ناجحة مع الحقیقة المعاصرة، وعندما تفشل الصورة، تكون تعارضاَ مع الفكرة  المطروحة

((هات الكأس

 واشربي نخب كوارثنا القادمة

عليك أن تلتف بملاءة هزائمك)) .

ربما المشكلة للشاعر المعاصر، الإثارة التي تشعرنا بوجود مشھد حقیقي، متحرك، ضخم، وھي من المؤثرات الشعریة التي تلفت أذهاننا إلى الواقع الكارثة، إن المؤثرات الشعریة لم تكون أساساً مثلما ھي الآن، بحیث تثیر حب الاستطلاع، والشاعر یرغب دائماً أن یرى المعنى في كل شيء، وإغراءه الشاعري أن یقطف ثمرة الواقع، ویستعمل الصور البراقة التي تلفت الأنظار، وھذا لیس عیباً لدعم الصورة الشعریة الناضجة تماماً، الشيء المؤكد أن الشاعرة خالدة خلیل استخدمت الحداثة العصریة في أسلوبھا وصورھا وفكرھا، وإننا نكتشف من خلال لغتھا، لأي فترة زمنیة محددة، تقترب كثیراً أو قلیلاً من الإیقاع المعاصر، فاستخدام الشاعرة (ثلاثون مرت – شفاه الفرات – تصلب تاریخي) ھي صور مكانیة وزمنیة، تمیز من خلالھا بین القدیم والجدید، ولیس من الصعوبة التمییز بین الشاعر الذي یكشف موضوعاً قدیماً بمعنى معاصر، فیخلق من. خلالھا أسطورة خالدة، تعني بحقیقة الإنسان المعاصر .

((ثلاثون مرت ولم تنبت

  على شفاه الفرات

  زنبقة بعد

  انظري إلى عصور ارتجاج الحقیقة

  تصلب تاریخي على ركبتیك)) .

القصائد بصورة عامة منھا تعیش وتؤثر في أرواحنا وأنفسنا وإحساسنا وفكرنا، ومنھا تدغدغ خیالنا فقط، ومنھا تولد میتة، فالشاعر ذو الحیویة الكبیرة المؤثرة أفضل من الشاعر ذو الحیویة الضعیفة، الذي یكون كالسرطان في جسد الثقافة الحقیقیة، فالشاعر ذو الحیویة الكبیرة له قوة فكریة، واعیة، تمكنه من أن یتفاعل مع الحاضر والماضي بصور جدیدة، الشاعرة خالدة. خلیل تستخرج من الطبیعة الزمنیة الأسطوریة، الإنسانیة، صیغاً أصیلة، تكشف الحقائق للأجیال القادمة، سارقي الغجر.

((سارقي خاتم سلیمان

  عند باب مغارتي

  ظل ینمو صبار الوقت

  فیما تتوسدین الغیم وتنادین

  لا تعبث بأوراق هدتني

  أیھا الخریف،

  وإن سرقوا القناع)) .

منك هذه الصور التاریخیة، صور شعریة تحمل الحقیقة في معاني لصور عصریة، ومثل هذه الحیویة الشعریة تؤثر على متغیرات وتناقضات الواقع، ولیس مثل مسابقة كمال الأجسام لبیان العضلات في لحظة معینة، فصورة (سارقي الغجر – سارقي خاتم سلیمان – صبار الوقت – الخریف – سرقوا القناع منك) دلائل تجسد إرادة الخراب والدمار ب (سرقة)، الشاعرة خالدة خلیل جعلت من الأسطورة ألتم وزیه شيء حي في العقل والخیال، وھو صراع أیضا بین الموت والخلود، بین سرقة الغجر وسرقة خاتم سلیمان وسرقة القناع، وقد خلقت فكرة بصورة حیة، فقوة القصیدة التي فكرتھا أسطورة لم تأتي من صراعات. فكریة فحسب، بل من تناقضات كانت موجودة، ومازالت موجودة في عصرنا الحاضر.

((على إرثك الجاري مع دمع بغداد.

  أراك تلعقین شھود الخطایا

  التي غرستھا بیدیك

  ألا فاطرحي من مواسمك الحنین

  وانثري فوقي شقائق القلق

  وأن تعمدیني بالدعة

  یا أعاصیر الخراب)).

إن الأسطورة ألتم وزیه تصور للقارئ العصري بأسلوب جدید حقیقة الإنسان وإن تجلت بقوة الخیال الفعالة، فإن موقف الشاعر من الأسطورة لیست مفارقة تاریخیة، وھي من الموضوعات المناسبة التي تصب في الغرض المنشود للشاعر،ل أنھا خالدة، عالمیة، والشيء الوحید الغیر متغیر ھو وجودھا، وكشفھا بصورة تخدم الحاضر، بتقلباته وصراعاته المختلفة على السلطة وخراب الإنسانیة، وهنا تكشف الشاعرة خالدة خلیل مسؤولیة العلاقة بین الجنسین، مسؤولیة التغیر في الحب، والحیاة والموت والخلود، وهذه لیست بمظاهر خارجیة، وإنما میل العقل كله للحب، فشغله الحب مازالت تبعث السرور في أرواحنا إلى یومنا ھذا، لیس لأن الحب ثابت، والإنسان الأسطورة متغیر، هذه الأنواع المتغیرة یحملھا الشعر، وھو تعبیر صادق عن. الحب في زمنه ومكانه فإذا ما وجد تبریراً للتضحیة، وجدت الأسطورة الحیة.

((والآن أسألك

  كم بلبلاً علق

  في مصائد الطغاة؟

  سأبكي ثم أتعرى

  ثم أسر ثم أسكر

  ثم ألعن ثم ..ثم ..وثم

  لكني لن أموت بعد أي ثم

  لأنني سأبقى معلقة هناك

  على تخوم الحب)).

لم یكن باستطاعة أي شاعر أن یكتب مثلما كتبت الشاعرة خالدة خلیل، مثل هذه العبارات الجریئة لأسطورة إنسانیة معاصرة،تكشف بوعي أن یتحكم الإنسان بوعي واقتدار، ولا يتهور فیلجأ إلى العنف والخراب والدمار الإنساني عامة، إن العلاقة الإنسانیة السلیمة یجب التمتع بھا بحقوق متساویة، وإن كان جھد الرجل ھو الذي یحافظ على الوجود، لكن المرأة تحافظ. على الأسطورة الإنسانیة العصریة السلیمة في كل عصر وفي كل مكان.

****************************  

من كتابي (المرأة الكوردية بين الأدب والفن التشكيلي) .. الذي لم يطبع لحد الآن .. بسبب الضنك المادي.

************

الشاعرة خالدة خلیل

أديبة وأكاديمية ولدت في قضاء الشيخان/محافظة الموصل/ العراق تخرجت من كلية الآداب ــ جامعة الموصل ــ قسم اللغة العربية درست في كلية القانون جامعة الموصل 1995ـــ1997. حصلت على الماجستير من جامعة الموصل عن رسالتها الموسومة (البناء الفني في رواية شرق المتوسط لعبد الرحمن منيف) عام 1998. درست اللغة الألمانية في جامعة زارلاند ــ ألمانيا 2007 ـــ2009.

الإصدارات:

• مجموعة شعرية بعنوان (شرنقة الحمى) عن مؤسسة شمس للنشر والأعلام في القاهرة 2008

• رواية بعنوان (أشرعة الهراء ) عن مؤسسة شمس للنشر والأعلام في القاهرة 2009.

• تفكيك النص ــ مقاربات دلالية في نصوص منتخبة ــ كتاب في النقد وهو عبارة عن دراسات تأويلية نقدية لنصوص مجموعة من الكتاب الكورد والعرب ــ صدر عن اتحاد الأدباء الكورد في دهوك 2011 .

• توهجات رماد ــ مجموعة شعرية ــ دار الشؤون الثقافية العامة ــ بغداد 2013 .

الجوائز :

• حصلت على جائزة الإبداع الدولية عن دار نعمان للثقافة في لبنان عن روايتها أشرعة الهراء والعضوية الفخرية لدار لنعمان في لبنان عام 2008.

• حصلت على المركز الأول في مسابقة نازك الملائكة للإبداع الشعري عن وزارة الثقافة العراقية عام 2010.

• حصلت على جائزة العنقاء الدولية الرحالة عن أعمالها عام 2011.

• حصلت على جائزة النقد عن وزارة الثقافة العراقية ــ دار الشؤون الثقافية العامة عن بحثها الموسوم (مفهوما المفارقة ومفارقة التناص في قصيدة إلى امرئ ألقيس في طريقه إلى الجحيم لسركون بولص ) 2013

• حصلت على جائزة العنقاء الذهبية عن النشاط النسوة عام ٢٠١٥.

• حصلت على جائزة دار القلم في جمهورية مصر العربية عن قصتها (جزيرة الهفوات ) عام ٢٠١٥ .

كتبت مقدمات عدة كتب منها:

• اختلاف الرؤى والتلقي في الخطاب الشعري المعاصر ( جواد الحطاب نموذجا ) ــ دار ناشرون ــ بغداد 2013

• الحوار حلا في أطروحات السياسي الكردي فاضل ميراني ــ دار شمس للنشر والإعلام ــ القاهرة2013

الكتب المشتركة مع مؤلفين آخرين:

• دراسات نقدية عن الأدب الكردي ــ مقالات لنخبة من النقاد ــ اتحاد الأدباء الكورد في دهوك 2010.

• ينابيع النص وجماليات التشكيل ــ قراءات في شعر بشرى البستاني ــ مجموعة باحثين ــ تقديم د. خليل شكري هياس ــ دار دجلة للنشر والتوزيع ــ عمان ، الأردن 2012.

• جماليات النص وتنوع الخطاب ــ مجموعة باحثين ــ تقديم د. خليل شكري هياس ــ دار تموز ــ دمشق 2012

• خارج الوطن .. داخل الحلم ــ كتاب يروي قصة

• مبدعات عراقيات في المنفى ــ فاتن الجابري ــ تقديم : لطفيه الدليمي ــ دار المواطن ـ بغداد 2013 كتب عن منتجها الإبداعي العديد من النقاد العراقيين والعرب وجمعت المقالات في كتاب قيد الطبع . تكتب وتترجم في عدد من الصحف منها صحيفة الزمان الدولية ، ثقافات الصادرة عن وزارة الثقافة العراقية ، مجلة حروف والخ ….. حضرت العديد من المؤتمرات والمهرجانات الثقافية داخل وخارج العراق أقيمت لها العديد من الأمسيات الشعرية داخل وخارج العراق . اللغات التي تجيدها : العربية ــ الكردية ــ الألمانية _ الانكليزية تدرس حاليا الدكتوراه ــ كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية وعنوان أطروحتها (المفارقة في قصيدة النثر ) وتعمل حاليا مستشارة في برلمان كردستان.

شاهد أيضاً

افتتاح المعرض السنوي للنحت العراقي 2024

افتتح اليوم السبت ١٤ من كانون الاول ٢٠٢٤ على قاعة جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين المعرض …

error: Content is protected !!