انتهاكات صارخة لنساء معتقلات في العراق

صوتها/هن

ربما يعد مجرد الحديث عن عمليات اعتقال نساء جريمة في مجتمع شرقي محافظ كالعراق ، حيث ينظر إلى المرأة كقيمة إجتماعية تمثل شرف وسمعة مدن وعشائر بأكملها ، وكان تعامل السلطات الحاكمة في العراق مع هذه القضية عبر التاريخ حساسا ويتسم بالتحفظ الشديد ، لما لها من تبعات إجتماعية وأمنية حتى، لكن نظام الحكم الذي تم تنصيبه بعد عام 2003 تخطى كل الخطوط الحمراء التي تعارف عليها المجتمع منذ قرون طويلة وضرب بها عرض الحائط ، فأصبح تجاوز قضية شائكة مثل هذه أمرا ميسورا للأجهزة الأمنية والمليشيات الموالية للحكومة ، وعبر سنوات تواترت تقارير المنظمات الحقوقية العراقية والعربية والدولية في حجم الإنتهاكات الصارخة التي تتعرض لها آلاف النساء العراقيات، لغير جرم ارتكبنه سوى أن بعض أقاربهن مطلوب للقوات الحكومية أو عليه شبهة في بعض الأحيان، وهو ما عرضهن للاعتقال والتعذيب والاغتصاب، بعيدا عن القيم والأخلاق والموروثات الإجتماعية.

ندى من مدينة بعقوبة واحدة من هؤلاء النسوة ، تبلغ من العمر حاليا 37 عاما ولديها 5 أطفال ، كان زوجها من الذين قاوموا الإحتلال منذ قدومه، وقد بدأت الشرطة في البحث عنه بعد تسلمها قائمة بأسماء المقاومين ، وبعد أن عجزت عن القبض عليه لجأت إلى اعتقال زوجته واحتجازها لمدة شهر ونصف في سجن بعقوبة ، وفشلت جميع محاولات الوجهاء وشيوخ العشائر لإجبار السلطات الأمنية للإفراج عنها ، فاضطر زوجها لتسليم نفسه مقابل إطلاق سراحها ، فتم إطلاق سراحها وذلك عام 2008.

وتمثل هذه المرأة عينة لآلاف النساء اللواتي وقعن ضحية للقبضة الأمنية التي تجاوزت كل الأعراف والتقاليد الشرقية والعشائرية، ولأن الحديث عن هذا الموضوع يسبب إحراجا كبيرا في مجتمع محافظ تلجأ معظم العوائل التي تعرضت لهذا النوع من الإنتهاك إلى التكتم عليه وعدم الحديث عنه علنا، وهو ما يؤدي إلى ضياع حقوق الكثير من النساء.

ورغم كثرة التقارير الحقوقية التي أصدرتها منظمات إنسانية محلية وعربية ودولية حول وضع النساء في المعتقلات ؛ إلا أن الحكومة تصر على إنكار وجود انتهاكات أو تعذيب بحق هؤلاء النسوة.

وتنفي وزارة العدل وجود تعذيب للنساء أو الرجال في سجونها، مؤكدة أن من حق النزيلات اللواتي تعرضن للتعذيب أن يرفعن دعوى قضائية ضد المتعدين عليهن، كما يقول الناطق باسم الوزراة كامل أمين، والذي يؤكد أن تقرير المنظمة الدولية مليء بالمغالطات، من بينها وجود تعذيب وانتهاكات جسدية بحق المعتقلات، كما أن وجود آلاف المعتقلات كما ورد في التقرير هو “مغالطة” أخرى حيث لا يتعدى عدد النساء الموجودات في السجون من مختلف المحافظات 500 امرأة، على حد قوله.

ووفقا لأمين فإن وزارته حريصة على تحقيق معايير حقوق الإنسان في التعامل مع نزلاء السجون وخاصة من النساء، حيث تقدم لهن وجبات طعام جيدة، ويمنحن الحق في التواصل مع أهاليهن، ويحتجزن في أماكن لائقة بهن، وفق ما يقول.

ويضيف أمين أن السجون مفتوحة لمن يشاء زيارتها من ناشطين حقوقيين ومنظمات حقوق إنسان، لكن إحدى اللواتي تم اعتقالهن في سجن العدالة بالكاظمية ثم أطلق سراحهن بعد عام ونصف تحكي عن ظروف الزيارة التي كانت تقوم بها المنظمات الحقوقية، وكيف أن السجانين كانوا يحذرون المعتقلات من النطق بأي كلمة تدين القائمين على السجن وإلا تعرضن لأبشع أنواع الإنتهاك، وتضيف (ن ح) والتي تبلغ من العمر 42 عاما أن هذه الزيارات كان يتم الإستعداد لها قبل أسبوع على الأقل، فيتم تنظيف أماكن الإحتجاز وتحسين أنواع الطعام تحسبا لأي قدوم مفاجىء، ويتم تحذير جميع النساء وإلزامهن بصيغة معينة ومختصرة للإجابة على على الأسئلة المطروحة، ومن تفعل خلاف ذلك فإنها كانت تعرض نفسها لأبشع أنواع الإنتهاك والتعذيب.

ورغم أن السجون والمعتقلات في العراق تتعرض لزيارات مستمرة من قبل نواب ومسؤولين للتحقق من عدم وجود انتهاكات بحق المعتقلين من رجال ونساء، إلا أن تقارير المنظمات الإنسانية توثق باستمرار عمليات تعذيب جسدي ونفسي وسوء معاملة واغتصاب يتعرض لها بعض الرجال فضلا عن النساء على أيدي السجانين، والذين ينتمي معظمهم لمليشيات طائفية، وتقول عضو لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب أشواق الجاف إن معظم السجون تشهد انتهاكات بدرجات متفاوتة بحق المعتقلين فيها، مثل عدم وجود ماء صالح للشرب وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة في شهور الصيف شديد الحرارة، وتكدس المعتقلين في قاعات صغيرة، ورداءة الطعام الذي يقدم للنزلاء، وقلة الرعاية الصحية، هذا فضلا عن عمليات التعذيب وانتزاع الإعترافات بالإكراه، والتي تدفع بعض المعتقلين للإدلاء بشهادات غير حقيقة للتخلص من التعذيب الذي لا تتحمله أجسادهم.

وتحمل الجاف وزارة العدل مسؤولية إصلاح السجون والمعتقلات ، مطالبة إياه بزيارة هذه السجون بشكل مفاجىء والاطلاع على ما يدور فيها، وعدم الإكتفاء بالتقارير غير الدقيقة التي ترفع له، مضيفة أن كثيرا من المعتقلين الأبرياء الذين اعتقلوا بوشايات المخبر السري يتم جمعهم في مكان واحد مع عتاة المجرمين و”الإرهابيين” وهو ما يؤدي إلى تأثر بعضهم بهذه الأفكار، خاصة وأن طريقة التعامل السيئة قد يجد البعض فيها تبريرا للجوء إلى العنف أو الجريمة، على حد قولها.

تدور بين جدران هذه المعتقلات قصص مخيفة يتم تدولها بين العراقيين، عن حجم سوء المعاملة الذي تتلقاه النساء المعتقلات وطبيعة الإنتهاكات بحقهن، وكيف تصر الحكومة على تجاهل مطالب المنظمات الحقوقية في التحقيق بهذه الإنتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها، وتروي النزيلة السابقة في سجن الكرادة (ع د) كيف كانت تتعرض لاضطهاد خاص بسبب إسمها الذي يشير لانتمائها المذهبي هي وأخريات، حيث يتم تسليط بعض السجانات عليهن لإهانتهن بشكل مستمر واستهدافهن بالعقوبات يوميا، وهو ما كان يشكل ضغطا نفسيا كبيرا يضاف إلى أعباء الإعتقال الثقيلة.

أما أم محمد والتي اعتقلت من منطقة أبو غريب فتقول إن أكثر ما واجهته من صعوبة داخل المعتقل هو ضعف الرعاية الصحية وقلة وجود أو انعدام العلاج، حيث تعاني من مرض مزمن كان يتطلب وجود الدواء بشكل مستمر، لكنها كانت تجد مشقة كبيرة في الحصول عليه، لأن إدارة السجن لا توفره ولا تسمح بتوفيره، فكانت أسرتها تضطر لدفع مبلغ مالي لبعض السجانات من أجل إيصاله إليها، وتضيف أم محمد بأن من الغرائب أن سجنا كبيرا قد يضم مئات المعتقلات ربما لا يعمل فيه على الأغلب إلا طبيب واحد أو طبيبين على الأكثر، في حين تتطلب الحاجة عددا أكبر من الأطباء، نظرا لكثرة حالات الأمراض المستعصية والمزمنة والطارئة، وانتشار بعض الأمراض بسبب سوء النظافة والتهوية، كالجرب والحساسية وغير ذلك.

شاهد أيضاً

دريا ترسم لمساعدة مرضى السرطان 

“اسمي دريا سالار حويز، عمري ٢٤ عاماً، تخرجتُ من كلية الأحياء في جامعة صلاح الدين …

error: Content is protected !!