شاب عراقي يحوّل “قبح الخردة” إلى تحف فنية

صوتها – بغداد

وسط زحام الإحباط المعزز بتزايد نسب البطالة بين صفوف الشباب العراقي وجد فراس جلو “مهرباً” يحقق فيه ذاته، تمثلت أدواته الرئيسة بـ”مهملات” الآخرين، أو الخردة، التي تُعرف باللهجة العراقية محلياً بـ”السكراب”.

وتقدر أخر الإحصائيات ارتفاع البطالة في العراق بما نسبته 20 إلى 25 بالمئة، والنسبة الأكبر فيها سجلت في أوساط خريجي المعاهد والجامعات والثانوية، وفقاً للتقرير الذي أعدته منظمةُ “السلام والحرية العراقية” بالتعاون مع منظمة “الإغاثة الشعبية” النرويجية نهاية 2017.

وبينما لا يزال أغلب أولئك يكابدون أثقال البطالة اقتصادياً واجتماعياً وحتى نفسياً، يقول جلو (29 عاماً): “إنه تغلب على الكثير من تلك الآثار التي رافقته في سنوات ما بعد الحصول على شهادة “الدبلوم في الالكترونيك”، فكلما حاول تعزيزها بشهادة أعلى، تعثر بـ”ظروف العراق خلال تلك الفترة، التي شهدت الاقتتال الطائفي والانهيار الاقتصادي، لا سيما لعائلات الطبقة المتوسطة”.

ويضيف جلو “لم يبق أمامي سوى الهرب من هذا الواقع. هذا الواقع الذي يقتل فينا الطموح ونحن في أوج الطاقة والرغبة في العطاء، لذلك قررت أن أهرب إلى نفسي، للنهوض بنفسي على أقل تقدير”. ويوضح أنه قرر أن يعمل على “إنضاج تجربتي الفنية التي بدأت معي بوقت مبكر في الطفولة”.

جلو الذي كانت بدايته مع الرسم يقول إنه أعاد ترتيب أولوياته، وغير اتجاه بوصلة طاقته إلى ما بات يعرف بـ”فن الخردة”، نتيجة لموقف ظل عالقاً في ذهنه، حين كان طفلاً ويراقب عدداً من العائلات بأفرادها تتجمع في شارع الرشيد وسط العاصمة بغداد، وتبحث في النفايات والأتربة على جانبيه، عن شيء ما، تساءل عن سبب قيامهم بذلك. فأجابه قريبه الذي كان برفقته: “انهم يعتاشون على ما تحويه هذه النفايات. بعضها القادم من كناسة محلات الصاغة يحتوي شذرات من الذهب”.

من هنا، يقول جلو، انطلقت فكرة ورشته التي يسميها الآن “شذرات سكراب”، والتي اصبح لها منصة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بذات الوسم، لعرض ما ينتجه ويسوق لمبيعاته أيضاً.

لم يستثنِ جلو مادة إلا واستخدمها في إنتاج عمل إبداعي جديد، فقد نحت مجسمات ورسم لوحات لشخصيات محلية وعربية وعالمية، باستخدام أعقاب السكائر أو أعواد الثقاب، فضلاً عن علب المشروبات الغازية، والأسلاك بل وحتى أشرطة الكاسيت القديمة. لذلك فلا يستغرب المتابع لأعماله أن يجد جلو قد أنتج صورة للمهاتما غاندي على علبة “كوكا كولا” فارغة، أو صنع مجسماً لدراجة “هارلي” بعلبة أخرى من مشروب “ميراندا”.

 

وعلى الرغم من ذلك، إلا أن هذه الأعمال التي يصنعها جلو لا توفر خلاصاً تاماً من البطالة، غير أنه يتحدث عن مكسب أكبر يقول فيه: “أسعد الأيام، حين يطلب مني أن اصنع عملاً لحبيبين. متعتي لا تُضاهى بثمن، تبدأ مع البحث عن فكرة تجسد حب هذين الحبيبين، وتستمر على طول جمع أدوات العمل ومن ثم إتمامه، ولا تنقطع حين أركب دراجتي الهوائية، من أجل إيصال العمل إلى الحبيب الذي يهديه لاحقاً إلى حبيبته”.

ويتابع جلو بالقول: “إنها الغاية الأسمى بالنسبة إلي. إعادة تدوير القبح إلى جمال هو ما أسعى إليه، لأعيد ترميم ما هدمته الحروب على مدى سنوات حتى جعلتنا وكأننا في سلة مهملات كبيرة. نحن شذرات تلك المهملات، وسنعيد بناء أنفسنا بأنفسنا”.

من جانبه يرى الناقد التشكيلي فهد الصكر في أعمال فراس جلو “مساحة من الجماليات لما تمتاز به أعماله من تقنية هندسية الأبعاد”. ويقول الصكر إن “المتغيرات التي طرأت على حياتنا وبكل تمفصلاتها، أثرت في متغير الوضع النفسي للكائن البشري، وهذا القى بظلاله على منجز ممن يمتلكون موهبة ما”.

ويضيف الناقد التشكيلي العراقي أن “بعض الفنانين أراد الخروج من محيط اللوحة التقليدية إلى تجريب شيء مغاير، ينسجم والمتغير العام، ليلفت النظر أو نظر ووعي المتلقي”، مستدركاً أن “التجريب هنا لم يكن اعتباطاً بقدر ما هو نوع من أنواع الفنون حين يلجأ الفنان إلى المهملات من الأشياء ليشكل من خلالها تكوينات تتسم بالجمال وهي صنيعة خراب ربما”.

شاهد أيضاً

انتبهوا.. 13 خطأ تجلب الحسد والفقر والحزن في المنزل

وعرضت دكتورة سهام عيد، خبيرة طاقة المكان، أهم الأشياء الموجودة داخل المنزل وتساعد على تمكن …

error: Content is protected !!