قيس العذاري
تعودنا منذ تحرير الفلوجة على ان نسمع من المسؤولين اعادة البناء والاعمار في الحكومة في بغداد او المسؤولين في الانبار، وصارت عندنا مرادفة للاستيلاء على هذه الاموال من قبل مافيات الفساد. منذ دورتين والان على اعتاب الثالثة واكثرية المسؤولين يرفعون شعار مكافحة الفساد سواء في الحكومة او الادارات المحلية والبلدية والوزارات. فقد ركبوا الموجة كأنهم غير متهمين بالفساد! رغم ان الاموال المخصصة للميزانيات المالية تحت تصرفهم ولكنهم يتحدثون بصلافة عن مكافحة الفساد والفاسدين.
تشهد هيئة النزاهة على فسادهم، فبعضهم متهم بعدد لا يحصى من الجرائم منها اختلاس الاموال واخذ العمولات “كومشن” والتزوير والاستيلاء على اراض وعقارات عامة وخاصة وتهريب اموال خارج العراق وتأسيس شركات مالية وتجارية وهمية والتعامل بالسوق السوداء وكسب اموال سريعة في تعاملات غير قانونية، كما لا تجيز لائحة السلوك الوظيفي ممارسة مثل هذه الاعمال المشينة، ويحاسب عليها القانون وفق قوانين متصلة او معروفة.
هذه بيئة سياسية فاسدة لا يمكن استمرارها او السكوت عنها بدون ارادة سياسية للتغيير ومحاسية المسؤولين بواسطة تفعيل القوانين والتأكد من نزاهة مجالس القضاء المحلية والمركزية “الاتحادية”. والقضاء في جميع المجتمعات الديمقراطية والمدنية الاساس بهذه المجتمعات لانه يسري على الجميع بدون تمييز.
اوضح البيان او اللائحة الاستراتيجية لمكافحة الفساد التي اصدرتها هيئة النزاهة ان الفساد مستشر ومتعاضد. وهناك من يحميه من المسؤولين، حتى بدت استراتيجيتها ضربا من الوهم لأنه المطلوب تغييرات سياسية على اعلى المستويات وهي خارج امكانياتها وسلطتها. واعترف بعض المسؤولين بوجود 800 ملف فساد لمسؤولين وسياسيين في العملية السياسية، منذ استدعاء احد المكاتب المؤلفة من محققين دوليين من قبل حكومة العبادي العام 2016، مما يستدعي حربا حقيقية ضد الفساد فهذه الملفات تعود لوزراء ووكلاء ومدراء واعداد كبيرة من المستشارين الفاسدين. ما دعا رئيس الوزراء حيدر العبادي الى التأكيد على ان الحرب المقبلة ستكون ضد الفساد.
هناك جهتان تعملان على كشف الفساد والفاسدين، وهي البرنامج الانمائي للامم المتحدة والمحققين الدوليين وهؤلاء مختصون بالمحاسبة الجنائية، وعملية التنظيف كما طالب الكثير من المعنيين، تبدأ من الرؤوس الكبيرة الى الرؤوس الصغيرة. وكشف كذلك المتحدث باسم رئيس الوزراء سعد الحديثي عن “استعانة الحكومة بخبراء ومنظمات دولية لفتح ملفات سابقة واستعادة الاموال المهربة وملاحقة الفاسدين حتى الهاربين ومقاضاتهم”.
“الحرب على الفساد” شعار جيد وواقعي، يحيلنا الى شعار “الحرب على الارهاب” وهما صنوان في تقويض اسس الدولة ومؤسساتها وتعطيل الحياة الاقتصادية فيها وتخريب البلد وانهياره، لكن لا يمكن ان يستمر رفع الشعار الى ما لا نهاية بدون خطوات عملية والتمهيد لتنفيذه، فقد سئم المواطنون من الانتظار وترديد الشعارات خاصة المتعلقة منها بالفساد في وزارات ومؤسسات الدولة.
والملفت كثرة المنظمات والهيئات الرسمية المكلفة بكشف الفساد كهيئة النزاهة وديوان الرقابة والمفتشين العموميين ولجنة النزاهة البرلمانية والمجلس الاعلى لمكافحة الفساد، عدا المنظمات والهيئات غير الحكومية او الرسمية، ولكن لحد الان لا نعرف اي شيء عن ملفات وحجم الفساد الحقيقي في مؤسسات الدولة والمحافظات، وهذه ليست صدفة وانما بسبب الضغوط التي تمارس ضدها لوقف عمليات التحري وجمع المعلومات عن ارصدة المسؤولين وممتلكاتهم ونشاطاتهم التجارية والمالية.
وسبق ان اتهمت الحكومات السابفة بالاهمال، لانها لم تتخذ اجراءات قانونية صارمة ضد الفاسدين، اتهمت نتيجة عدم فتح ملفات الفساد المتراكمة سواء في هيئة النزاهة او لجنة النزاهة البرلمانية بمشاركتها بالفساد والتستر عليه. ولكن هذا لا يلغي هذه الملفات الموثقة لأنها تبقى تحت طائلة القانون، رغم الاهمال والتسويف وتأخير احالتها الى القضاء.
استعمل الفاسدون سلاح الاشاعة والتخويف بعمليات التسويف والتأخير بتقديم هذه الملفات الى القضاء والشروع بمحاكمتهم واسترداد هذه الاموال لا سيما المهربة منها بطرق غير مشروعة خارج العراق، كأن من يفتح هذه الملفات يقامر بحياته السياسية، والتهديد بتصفية الشخصيات المتعاملة مع هذه الملفات بشكل مباشر وتهديد القضاة وفي حالة فشل هذه الاساليب التي يحاسب عليها القانون كذلك يهرب الفاسدون خارج العراق.
لهذا السبب من الضروري اشراك البرنامج الانمائي للامم المتحدة والمحققين الدوليين وهيئات القضاء المختصة، لان اغلبية قضايا الفساد تدخل في باب القضايا الجنائية التي يحاسب عليها القانون في جميع البلدان تقريبا. ولا يمكن السكوت عن هؤلاء الفاسدين او تأجيل اتخاذ الاجراءات القانونية بحقهم، جرائم الفساد من الممكن ان تفتك باقتصاد البلد وتحرمه من التطور واعادة البناء والاعمار، كما هو حاصل الان فالكثير من المشاريع معطلة او غير مكتملة وبعضها عبارة عن مشاريع وهمية ليس لها وجود في الواقع. وهذا يشمل عشرات او مئات المشاريع المتعلقة بالخدمات والبنى التحتية “الاساسية” والنظافة والكهرباء والاسكان.
ومع كل هذه المآسي التي تسبب بها الفساد، اعلن رئيس الوزراء في اطار هذه الحملة، ان ما عرف بالمحققين الدوليين لتدريب المحققين العراقيين، وليس من خلية مكافحة الفساد او لجنة مكافحة الفساد! ولكن لم يوضح لنا كيف استطاعت الخلية التي شكلها لمكافحة الفساد قد توصلت الى نتائج دقيقة، كما صرح حول عقارات الفاسدين وحساباتهم في الداخل والخارج وعمليات نقل الاموال والوضع العام لهؤلاء! مع ذلك ورغم تناقض هذه التصريحات مع تصريحات سابقة، ما زلنا نحسن الظن برئيس الوزراء والخلية التي شكلها لاعلان الحرب على الفساد، وانها حقيقية وتعمل وفق المعايير الوطنية والدولية، والكلمة العليا فيها للقضاء الوطني النزيه، وليست مجرد دعاية انتخابية مبكرة.