صوتها – بغداد
حذَّر أصحابُ محال وحرفيون من زوال سوق الصفارين، أقدم أسواق بغداد التاريخية، مطالبين الجهات الحكومية بالتدخل السريع لإحياء نشاط هذا السوق الذي يمثل واجهة للتراث العراقي.
ويقع سوق الصفافير أو الصفارين، الذي ترجع تسميته نسبة إلى معدن النحاس، الذي يسميه العراقيون بـ (الصفر)، على الضفة الشرقية لنهر دجلة وسط بغداد القديمة ويشتهر هذا السوق بصناعة الصحون والأواني المنزلية وأباريق الشاي والكاسات والملاعق، وإطارات الصور، والفوانيس النحاسية والنقش عليها، فضلا عن الأواني النحاسية التي تطرز عليها المعالم الأثرية الشهيرة في العراق.
والسوق الذي يعود تاريخه إلى العصر العباسي، ظل لسنوات طويلة مقصدا للسياح والزوار العرب والأجانب الذين يأتون اليه لاقتناء المنتجات العراقية التراثية التي تصنع في هذا السوق، لكن الوضع الآن اختلف فلا ضجيج في السوق صادراً من طرق المعادن، ولا سائحون ولا زوار، بل الطامة الكبرى ان السوق مهدد بالزوال بعد أن انتشر فيه تجار الأقمشة واشتروا أغلب محاله.
أحد الحرفيين في السوق يدعى محمد علي، قال: إن “السوق في طريقه إلى الزوال، بعد أن هجر الحرفيون والفنيون والنحاسون والنقاشون مهنتهم، التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، بسبب عدم وجود متبضعين وسائحين، لذا فإنَّ العمل أصبح لا توجد فيه جدوى اقتصادية نتيجة الإهمال الحكومي”.
وأضاف “كانت الحكومة سابقاً تقدم لنا كل أنواع المعادن التي نحتاجها وبأسعار مدعومة، أما الآن فأسعار المعادن غالية جداً، فضلا عن فتح الاستيراد للأواني والتحف من دون قيد أو شرط، وهذا دفع العديد من الحرفيين إلى ترك المهنة وبيع محالهم لأنها لم تعد تكفي متطلبات الحياة لأنَّ الناس بدأت تشتري الأشياء المستوردة التي تتميز بانخفاض أسعارها”.
من جانبه قال أبو حيدر أثناء طرقه بمطرقة خشبية على صفيحة من النحاس لكي يعمل (دلة) أبريق كبير للقهوة: “كنت لا تستطيع أن تسمع من يتكلم معك نتيجة كثرة الطرق من قبل الحرفيين والنحاسين، أما الآن فأصبح العدد قليل جدا، لأنَّ الغالبية العظمى منهم تركت المهنة، لعدم وجود سائحين فضلا عن عدم اهتمام وزارة الثقافة بالتراث العراقي، وإهمالها له”.
وتابع “تعلمت المهنة من أبي قبل أربعين سنة، لكني لم أعلمها لولدي لأنَّ العمل أصبح لا يجدي نفعاً، ولدي الآن يعمل في وظيفة حكومية، وهذا الأمر ينطبق على أغلب أصحاب المهن والحرف في السوق، الذين باع أغلبهم محالهم إلى تجار القماش”.
وأوضح أن “السوق كان يحتوي على أكثر من 100 محل تجاري كلها مخصصة لصناعة الأواني النحاسية والأدوات التي كانت تستخدم في المنازل العراقية لكن الآن تناقص عددها بشكل كبير”، مبينا أن نسبة المحال التي لا تزال تصنع الأواني النحاسية لا تتجاوز 20 بالمائة من أعدادها السابقة.
إلى ذلك قال سلمان النقاش: إن “السوق في طريقه للزوال فبعد 4 أو 5 سنوات، لن تجد أي محل يهتم بالتراث والأواني والهدايا التراثية، لن الغالبية العظمى من الحرفيين تركوا المهنة واتجهوا إلى أعمال أخرى بسبب الإهمال الحكومي”.
وأضاف ” أنا عن نفسي لا أستطيع ترك هذه المهنة لأني أحبها وورثتها من أبي وجدي، نحن عائلة نعمل في صناعة الأواني من النحاس ونمارس النقش على الأطباق ونطرزها بالآثار العراقية منذ أكثر من 100 سنة، لكني أصبحت كبيراً وربما بعد فترة ليست بعيدة سوف أترك العمل في المحل بسبب حالتي الصحية، بالاضافة إلى أن المردود الاقتصادي من المهنة أصبح ضعيفا جدا، وهذا قد يدفع ولدي إلى بيع المحل بعد وفاتي”.
مزهر الخفاجي أستاذ التاريخ في معهد التاريخ العربي، يقول: إن “كبار سياسيّ العالم كانوا حين يأتون إلى بغداد يحرصون على التجول بين درابين هذا السوق لشراء بعض التحف واللوحات التي تتزين بآيات القرآن الكريم والمنقوشة بخط بديع”.
وأضاف الخفاجي “أذكر من زواره الكبار.. أنديرا غاندي، والرئيس الفرنسي جاك شيراك، والإسباني خافيير سولانا، وكذلك الشاعر الحاصل على نوبل طاغور الذي دعاه الملك فيصل الأول لزيارة بغداد عام 1931. والعديد غيرهم”.