واثق الجابري
بعيداً عن تكهناتنا القائلة: أن لرؤساء الدول لوبي خاص يحددهم، وذلك لا يُعارض رغبة الشعوب بعدم قبول بقاء رئاسة حزب على سدة الحكم أكثر من دورتين، ورغم ان الرئيس الثاني والثلاثين للولايات المتحدة من عام 1933 حتى وفاته في عام 1945 (فرانكلين ديلانو روزفلت)، صنف من أعظم ثلاثة رؤساء لأمريكا عاصر الحرب العالمية الثانية، حيث قاد الحلفاء إلى النصر على الرغم من شلله. له مقولة مشهورة: “الشيء الوحيد الذي يجب أن نخاف منه هو الخوف نفسه”، وهو أطول الرؤساء الأمريكيين بقاءً في المنصب، ولا يستطيع أحد الآن كسر رقمه القياسي بسبب تعديل دستوري أُقر عام 1951م، ونجح خلال رئاساته إنقاذ الاقتصاد الأمريكي، وتم التعديل الدستوري لمنع أيّ رئيس للبقاء فترة أكثر من دورتين.
التعديل الدستوري الأمريكي جاء من رغبة شعبية، وعادة في تلك الدول لا تأثير للحزب الحاكم على التوجه الشعبي بعد كل دورتين، لتغيير نمطية الحكم والحزب الحاكم.
هذا لا يعني أن أقل الأصوات بسبب فشل أو اتهامات كبيرة، والفارق عادة من 45 – 52%، والتجربة الأمريكية واحدة من أعرق الديمقراطيات في العالم، وأحياناً يسقط رئيس لشبهة فساد مالي أو أخلاقي، وقد لا يكون له علاقة مباشرة بالمؤسسة، ومع ذلك تعمل المؤسسات الإعلامية والمدنية لإسقاطه بغية التغيير، والشعب لا ينتخبه رغم امتلاكه صلاحية اوسع من رئيس مجلس الوزراء العراقي، وفي العراق رئيس المجلس يُسمي نفسه (رئيس الوزراء)، بتجاوز الدستور الذي اعتبره رئيس مجلس وبمثابة وزير أول.
مُنحت بعض الصلاحيات وحددها بموافقة البرلمان، والقوانين في النظم الديمقراطية، تُشرع من البرلمان وتُصادق من الحكومة، أو تُقترح من الحكومة ويصوت عليها البرلمان، ولا تُلزم الحكومة البرلمان بقبول مقترحاتها، إلاّ أنه في الدورة الماضية فسرت المحكمة الاتحادية تشريع القوانين، وقالت التشريع من الحكومة والاقتراح من البرلمان، وربطت الهيئات المستقلة بالحكومة بدل البرلمان، وما تزال الى اليوم بالوكالة مرتبطة بالحكومة وتحت التأثير الحزبي وشكلت ما يُسمى الدولة العميقة، وحتى الموازنة يفترض على الحكومة تحديد احتياجاتها وتقديمها للبرلمان، ليقوم بواحد من أهم واجباته بإقرارها، وقد يغير ما تطلب الحكومة كونه يمتلك حق التشريع والرقابة.
تصادمت الصلاحيات طيلة السنوات المنصرمة، بين البرلمان ومجالس المحافظات من جانب بمواجهة الحكومة، وحكم من حزب الدعوة الإسلامية ثلاثة رؤساء مجلس وزراء، منهم السيد نوري المالكي دورتين وبعد كل دورة ما يُقارب عام لحين تشكيل حكومة، والواقع لا يحتاج إيضاح والقاصي والداني يتحدث ويشكو من فشل إدارة الدولة، وحزب كالدعوة يفشل أخيراً حتى في الدخول بقائمة انتخابية، أو تحديد قيادة تتصدى لرئاسة القائمة، إذْ ليست بالضرورة أن تحدد القوائم أرقام مرشحيها حسب الدرجة الحزبية من الأعلى الى الأدنى، بل يُرشح الأكثر قبولاً واحتمالية فوز، وهذا ما جعل القيادات تخالف أيديولوجية الحزب وينسحب من الإنتخابات، ويختزل الرأي بالقيادات.
إن إعطاء الدكتور العبادي ولاية ثانية، تعني ولاية خامسة لحزب الدعوة، أي 17 عاما لحزب واحد، تعرض للشيخوخة والصدأ، والديمقراطية للحزب الواحد غير متكاملة، في تجربة شابها كثير من المشكلات، وحرمان لبقية القوى السياسية من تقديم مشروع بديل، ناهيك عن صراعات الحزب الداخلية التي انعكست على الدولة، وعرقلت محاربة الفساد، وظهر جلياً دفن كثير من الملفات للحفاظ على هيبة الحزب، وكل من يستلم السلطة لا يستمع لغيره ويلعن سابقه، فلماذا ولاية أخرى للدعاة، ومعروف ذاك التطاحن بين جناحي الدعوة بين المالكي والعبادي وفريق متفرج ينتظر الفائز، وهل لا يوجد في العراق أشخاص مؤهلين؟ أو لا تستطيع القوى السياسية والشعبية الإجماع على شخصية كفوءة؟ ولماذا الترويج بولاية ثانية، حين يعتقد بعض الناس أن رئيس الوزراء هو واهب الأرزاق، ولا خلاف حينما نتحدث بهذا الشكل، ونسلم أن العبادي نجح في إدارة الحرب ضد داعش، ولكن الدافع الأساس لفتوى المرجعية وتطوع الشعب، ومعونة العالم، ومن ينجح بالحرب ليس بالضرورة نجاحه بالسلم.
الواقع لا يشير الى نجاح غير المعركة، مع تعثر الاقتصاد بسبب الفساد، ودعوات الإصلاح التي لم ترَ النور، وحديث العبادي عن حاجة لوقت أطول، تعني ولاية ثانية، قد لا تختلف عن ثانية سابقة.
ملف المناصب بالوكالة تحدث عنه العبادي كثيراً، ولكنه أبقى ما صنعه المالكي، وتعطلت على أثرها مجريات محاربة الفساد، ولم يسمع لنصائح استقالته من الدعوة، ما أعطى للخصوم التفكير بالتئام الحزب بعد الإنتخابات، او تقريب قوى راغبة بالسلطة، ولكن طبيعة التحالفات، تعطي تكهنات أخرى، وإذا كانت البلاد تبحث عن تغيير حقيقي؛ فالشعب مسؤول أول عن تحديد خياراته، وعدم منح الأصوات دون مصلحة البلد العليا، دون النظر لاعتقاد توجس تغلل للشارع أن القادم دائماً سيئ، والبقاء على هذا الحالي أفضل، وعلى القوى السياسية أن تفكر بشكل أفضل، بعيدا عن أنا وقتية، ولا تُدخل البلاد في إخفاق آخر، ولا تمنح الحزب في أقل التقديرات فرصة رئاسة مجلس الوزراء، مع احترام أصواته، وصوت الناخب لا يعني منصبا تنفيذيا، بل تشريعيي وأحياناً معارض بناء.