صوتها – نسرين سيد أحمد
في فيلمه “عار” “Shame” يجرد المخرج البريطاني ستيف ماكوين الجنس من لذته الحسية ومن إشباعه أو أي إحساس مصاحب له من البهجة، ليحوله إلى إدمان يدمر الذات تدميرا وإلى محاولة معطوبة للفرار من الوحشة.
أخ وأخت، معطوبان، ذلك العطب الذي لا فكاك منه ولا دواء له، يحاولان تخدير الألم لفترة وجيزة، كل بطريقته الخاصة في تدمير الذات. هو براندون، الأخ (مايكل فاسبندر) وهي سيسي، الأخت (كاري موليغان)، هما الشخصيتان المحوريتان في الفيلم. لكل منهما إدمانه الخاص وألمه الخاص. براندون يحاول إخماد حرائق جحيمه الداخلي بإدمان الجنس، إدمانه ممارسة واستمناء ومشاهدة، ولكنه جنس بلا متعة وبلا بهجة وبلا تواصل روحي، جنس هو عبارة عن صرخة ألم ممتدة أو بديل للانتحار أو الشجار. أما سيسي، فلها إدمانها الخاص: تتعدد محاولاتها للانتحار ولإيذاء الجسد. تنغمس هي الأخرى في الجنس، لكنها لا تخفي احتياجها الملح للعاطفة والحب، سواء كان ذلك بالالتصاق بأخيها أو بالاحتياج النفسي البالغ الذي تظهره في العلاقات العاطفية العارضة في حياتها.
لا يكشف لنا ستيف ماكوين أسباب عطبهما النفسي وألمهما، وتدور عدة سيناريوهات في مخيلتنا ونحن نشاهد الفيلم، يمكن إيجازها جميعا في قول سيسي “لسنا أناسا سيئين، ولكننا نأتي من مكان سيئ”.
اختار ماكوين لفيلمه عنوان «عار»، ولكن الشعور الأقرب الذي نستشفه من براندون هو شعوره بالاشمئزاز من النفس، الاشمئزاز الذي يتبدى في محاولاته الملحة لتنظيف الحمام قبل أن يتبول أو يستمني أو في قراره المفاجئ في التخلص من كل المواد البورنوغرافية التي يحتفظ بها في البيت. هو شعور بالعار يتبدى من اللحظات الأولى في الفيلم، حيث يبدأ الفيلم بنهوض براندون من فراشه صباحا، ليُكتَب اسم الفيلم «عار» على حشية الفراش. هو عار مصدره في حالة براندون هو هذا الفراش وما يجري فوقه. وما يبرز معضلة براندون ومدى وحشة روحه هو ذلك التناقض البالغ بين عطبه الداخلي وحياته العملية التي يطمح إليها الكثيرون. شاب وسيم أنيق جذاب يعمل في وظيفة مرموقة ويعيش في شقته الأنيقة في نيويورك. للوهلة الأولى يبدو أنه لا ينقصه شيء وأنه حقق ما يصبو إليه الكثيرون. ولكنه يشعر بألم لا مهرب منه ولا خلاص. المرة الوحيدة التي نستشعر فيها إحساس براندون ببعض العاطفة والإعجاب الحقيقي بزميلة له في العمل، نجده يخفق إخفاقا جنسيا تاما معها. كأنه حتى يمارس الجنس يجب أن يكون ذلك بدون أي عاطفة وبدون أي مشاعر؛ العاطفة بالنسبة له تعني أمرا يخفق في التعامل معه. العاطفة أمر ليس لديه الطاقة النفسية على منحه.
ندوب لا تبرأ على معصم سيسي من محاولات انتحار سابقة وإدمان للجنس لا فكاك منه لدى براندون. وينتهي الفيلم بنظرة شهوة في المترو، فلا براء لبراندون من إدمانه ولا خلاص له.
إدمان براندون للجنس هو إدمان لفعل الجنس ذاته وليس لما يصاحبه من حميمية نفسية أو التقاء روحي أو أي نوع من الإشباع أو البهجة. إنها ممارسة تزيد الروح وحشة وألما. إدمان حول نظرة براندون للجنس عارا ووصمة يجب أن يواريها عن الآخرين ويمارسها خلسة.
تحاول سيسي أن تخلق صلة مع شقيقها وأن تشعره باحتياجها النفسي له، ولكنه لا قبل له بأي صلة عاطفة أو صلة روحية. يشعر بأن احتياج شقيقته له عبء يثقله. كما أن زيارتها له في بيته تحرمه من ملاذه بنفسه من نفسه، ففي وجودها لا يستطيع إغراق ألمه ووحشته بمشاهدة المواد الإباحية. صلة براندون بشقيقته تتمثل في التخلي والجفاء ومحاولات إقصائها عنه، رغم أننا نستشعر في لحظات أنه يكن لها حبا يبعده كلما شعر به.
في بدايات الفيلم نرى براندون في المترو في طريقه للعمل يصر على مطاردة شابة جميلة بنظراته، رغم ما يبدو عنها من رفض لتحديقه فيها، فهو من يسعى للهدف وللجنس بدون أن يكون للعواطف أو الرغبة أي مجال. ويدور الفيلم دورته وينتهي بمشهد موازٍ في المترو، وبراندون وحيد في المدينة الكبيرة، يعيش الوحشة والغربة والاغتراب الروحي في نيويورك، ويبقى بعيدا عن الحب والعاطفة، متربصا بالجميلات من أجل دقائق يغرق فيها في المزيد من الوحشة.