د . سعد عزيز عبد الصاحب
يبتدرنا عنوان الكتاب بعتبته ذات الدلالة العميقة (عش النورس) لنوايا الكاتب ورغبته في الارتحال بمدونته من الخاص الى العام من الاستقرار الى اللامكان.. فالنورس لا يبني له عشا انما هو في ارتحال واغتراب دائم لا بيت له ولا مقر ..هكذا يبوح لنا (عزيز خيون) في متن كتابه الذي صدر حديثا عن دار ومكتبة عدنان في بغداد بصفحاته الثلاثمئة وتسع وخمسين عن رحلة طويلة وشاقة خاض غمارها هذا النورس العراقي باربعين سنة او يزيد من الكدح المسرحي والجدية والالتزام داخل بلاده وخارجها.. نقرأ في الكتاب ملامح من شواغل (خيون) احلامه ورؤاه .. ظلاماته ..انكساراته ..افراحه واتراحه.. رحلة خصبة شاغله المركزي فيها الظاهرة المسرحية مشكلاتها وعللها الجوهرية انه ليس كتابا ذاتيا او خاصا بتجربته المسرحية او يومياته في التمارين او حياته الفنية المضمرة فلا وقت لدى النورس كي يدونها.. فالكتاب يقف عند ثلاثة واربعين مفازة تعلن عنها محتوياته تتحرك بين عنوانات فرعية مثل (سلطة القاعدي.. جموح الفني) اي قراءة في الاضداد بين التقليدي والمبتكر في الفن و(راهنية المسرح العربي) في حوار ومحاججة بصيرة داخل فضاءات المسرح العربي تجاربه موضوعات عروضه تحولاته السسيو ثقافية المقترنة بالتحولات السياسية. وفي مفازة اخرى مهمة نقرأ (واقع المسرح.. واقع النقد) ينفتح فيها المؤلف على ظاهرة غياب الاقلام النقدية المعرفية وسيادة الكتابات الانطباعية والصحفية وان الباب اصبح مفتوحا ـ حسب المؤلف ـ لكل من هب ودب في اعلان رأيه (النقدي) عن هذا العرض او ذاك.. ونقرأ ايضا بعنوانات اخرى (موت المؤلف.. خلود النص) استحضارا لاهمية مدونات المؤلفين المسرحيين المحليين واعادة انتاج نصوصهم على خشبات مسارحنا باستمرار لان النص الحي ـ حسب المؤلف ـ يرتبط بتعدد قراءته الاخراجية لا بوجود المؤلف او موته.. يبدو للقارئ ان محتويات الكتاب مقالات كتبت بأزمان مختلفة وليس كتابا سطَّر بفترة واحدة وسياق واحد ..انما هي موضوعات شتى اكتنفها التباين في المستوى البلاغي واللغوي لأنها سطرت كما اسلفت بأزمان متباعدة وكان حريا بالمؤلف ان يضع ويدون تواريخ نشر هذه الموضوعات والافكار في الصحف والمجلات لأجل الوقوف على الفترة التاريخية والاجتماعية والثقافية التي سطرت فيها موضوعات الكتاب .. لكن هذه الملاحظة لا تلغي الفائدة التوثيقية والمعرفية التي خرجنا بها من قراءته خصوصا انه يبحث في مشكلات مسرحية مزمنة في الجسد المسرحي العربي والمحلي كأزمة النص المسرحي العربي والهوية وازمة التمويل الذاتي لدائرة السينما والمسرح والمسرح الاستهلاكي وانتشاره على حساب المسرح الملتزم .. وازمة الترويج للتجربة المسرحية الجادة والرصينة كما هو حال الترويج للمسرح الاستهلاكي… يعرج الكتاب ايضا لتجارب مسرحية عربية خاصة كان المؤلف شاهدا عليها كتجربة المسرح الفلسطيني والمسرح التونسي في الاقتباس من التراث في عرض (الامتاع والمؤانسة) وهو من اعداد واخراج التونسي (حمادي المزي) مرورا بتجارب مسرحية مهرجانية عراقية وعربية استوقفت الكاتب كتجربة مهرجان الوفاء المسرحي في البصرة وتجربة مهرجان المونودراما في امارة الفجيرة والذي اسهم الكاتب في تأسيس اللبنة الاولى له ..والتجارب الدرامية في عروض الشباب ما بعد العام 2003. كما ضم الكتاب العديد من المحاور الاخرى.