إيهاب علي النواب
انطلقت أعمال مؤتمر الكويت الدولي لأعادة اعمار العراق وبمشاركة عدد كبير من الدول يصل عددها الى 75 دولة ونحو أكثر من 1850 شركة عالمية، اذ يعول من خلال هذا المؤتمر الحصول على مايمكنها من إعمار المدن المحررة والمتضررة جراء الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي، وإن أبرز المحاور التي سيناقشها المؤتمر هي ثلاثة، الأول يتعلق بالمناطق المحررة المدمرة، حيث حدد العراق الحاجة إلى إعادة إعمارها على مدى السنوات المقبلة إلى نحو 100 مليار دولار من خلال منح وقروض ميسرة، أما الثاني فيتعلق بتشجيع الاستثمار، حيث يوجد ما بين 160 إلى 250 مشروعاً استثمارياً استراتيجياً، بينما الثالث هو إعادة الاستقرار، وهو أمر يتطلب سرعة لأنه يتعلق بالمناطق التي تم تحريرها لكن بيئتها غير صالحة للسكن وتحتاج إلى أموال كافية لبعث الحياة فيها، وعلى شكل وثيقة عمل تستمر لـ 10 سنوات من أجل اعمار العراق وتحقيق الاصلاح الاقتصادي.
ويركز العراق في هذا المؤتمر التركيز على جذب الاستثمارات الأجنبية أكثر من مسألة المُنح والقروض، اذ يرى العديد من الخبراء إن المُنح مهما كانت فأنها لن تصل الى سقف أعلى من مليار دولار، فضلاً عن إن القروض دائما ما تتضمن فوائد وهذه تشكل عائقاً امام العراق في ما يتعلق بمسألة تسديدها مع الفوائد، سيما في ظل الوضع المالي المتذبذب للعراق، وبالتالي فأن العراق سينصب تركيزه وبصورة مباشرة نحو الاستثمارات الخارجية، بأعتبارها محرك للنشاط الاقتصادي والاجتماعي في البلد.
ولكن هناك تخوف يراه العديد من المتابعين والمختصين في الشأن الاقتصادي، في أن يحقق العراق نجاحاً ملموساً في مؤتمر المانحين، ويتأتى هذا التخوف بسبب جملة من العوامل السياسية والاقتصادية الداخلية والخارجية منها، اذ وفيما يتعلق بالعوامل السياسية فأن مسألة مكافحة الفساد ومايتعلق بها مازالت جهودها متعثرة ولم تحقق طفرات مهمة من شأنها تحقيق نتائج ملموسة على الواقع الاقتصادي للبلد، بالاضافة الى إن العراق مُقبل على انتخابات قادمة، يرى فيها الكثير أن القادم والشخوص الجديدة قد لاتستمر على ذات المنوال الذي كانت مستمرة عليه الحكومة الحالية، سيما وأن العملية الانتخابية في العراق لاتزال تبعث على القلق، بسبب المحاصصة واستمرارها وأن بعض الوجوه السابقة سوف ترجع الى سدة الحكم، أي بمعنى استمرار الوضع السياسي الممزق على ذات المسار السابق له. خاصة وأن العلاقات مع اقليم كردستان مازالت غير مطمئنة وإن قضية كركوك لم تحل لحد الأن، كما أن الكثير يرى في إن العراق حتى وأن استطاع النجاح في الحصول ما يصبو اليه من منح وقروض فأن الفساد قد يضيع هذا النجاح مثلما حصل في السابق وبالتالي يرى بعض الساسة من ضرورة أن يكون هناك اشراف مباشر من قبل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وكذلك صندوق اعمار العراق التابع للأمم المتحدة، من أجل ضمان عدم ضياع هذه الجهود، خاصة في مايتعلق في إعمار المدن المحررة، هذا اذا مااخذنا بنظر الاعتبار إن جدية الحكومة العراقية والارادة السياسية في العراق ماتزال مثار قلق للجميع. هذا داخلياً، اما فيما يتعلق بالعوامل السياسية الخارجية فأن فيما يتعلق بعلاقة العراق بمحيطه الاقليمي لاتزال غير واضحة ويشوبها الكثير من الشكوك والقلق، بالاضافة الى الوضع في سوريا ولبنان ومدى انعكاسه على الوضع السياسي في العراق قد يمثل عائق في نجاح هذا المؤتمر.
أما فيما يتعلق بالعوامل الاقتصادية فهي كثيرة وواضحة، فتأخر اقرار الموازنة العامة يبعث برسالة خطيرة عن وضع العراق الاقتصادي ومدى الانشقاق والانقسام داخل البيت السياسي العراقي، وعلى الرغم من الانتصارات العسكرية على داعش فأنها ليست كافية لاستمالة الشركات والدول نحو اعمار العراق، وهذا بدا واضحاً في منتدى دافوس الأخير، ورجوع وفد العراق قبل انتهاء اعمال المنتدى ممتعضاً بسبب عدم نجاحه في اقناع المشاركين في المنتدى في التقدم الذي حققه العراق، اذ يرى هؤلاء أن العراق وان حقق نجاحاً في حربه ضد تنظيم داعش الارهابي فأن هذا الانتصار يُحسب على الجانب العسكري والأمني، الا أن العراق مازال متلكئاً في محاربة الفساد وتحقيق نتائج ايجابية في خطوات الاصلاح الاقتصادي وتفعيل دور القطاع الخاص سواء المحلي أو الاجنبي.
هذا من جانب ومن جانب أخر وعلى الصعيد الاداري والاجهزة التشريعية والتنفيذية فأن جذب الاستثمارات بالاضافة الى حاجته لتوفر بيئة عمل أمنة يحتاج الى بيئة قانونية وتشريعية تساعد في جذب هذه الاستثمارات، الا إن الوضع فيما يخص التشريعات والقوانين الخاصة بالاستثمار لايزال وجودها على أرض الواقع غير موجود، كما أن الروتين الاداري المتمثل بالبيروقراطية وتعقيد القوانين والتشريعات لايزال حاضراً وبعمق في مؤسسات الدولة العراقية. وعليه فأن توجه الاستثمارات نحو العراق قد يكون ليس كما يسعى العراق اليه، وبالتالي يرى البعض أن نسبة الاستثمارات ستكون متدنية قياساً بنسبة القروض. اي بمعنى أن العراق لايملك فضاء رحب جاذب للاستثمارات سواء المحلية أو الاجنبية.
الا أن ذلك لايمنع من أن يتفاؤل البعض في نتائج هذا المؤتمر من خلال التحشيد الضخم له، وبإشراف مؤسسات مهمة كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة، فضلاً عن تفاعل المجتمع الدولي مع العراق في أنه كان يحارب بالنيابة عنه ضد أخطر تنظيم ارهابي، كما أن موجة التباطؤ العالمي والبحث عن أسواق جديدة عامل مهم يساعد في أن يكون العراق عامل جذب للاستثمارات، وبالتالي فأن الاستجابة من قبل المشاركين ستكون جيدة وفاعلة، كما يرى البعض أن نجاح المؤتمر قد يكون عامل في اعادته في السنوات القادمة، ويرى أخرون أنه حتى وأن استطاع العراق الحصول على 20 مليار دولار، فأن ذلك كفيل بتحقيق بنتائج ملموسة وعلى كافة الأصعدة.