مازن لطيف: تهجير يهود العراق.. جريمة الأنظمة

حاوره/ رونين زايدل

ينشط الناشر والكاتب العراقي مازن لطيف في توثيق حياة الاقليات والمكونات العراقية المضطهدة والمقموعة والمركونة في النسيّان، وبينما كان العراق في اوائل القرن الماضي بلداً يعج بالتنوع، بات اليوم في مقتبل القرن الجديد خالٍ من ذاك التنوع الذي بنى على اساسه حضارته وثقافته وتاريخه. لذا تجيء محاولة لطيف في استعادة تلك الروح الطيبة التي سكنت العراق لقرون طويلة ومنذ حضاراته الاولى، واستمرت بمواطنتها حتى اقتلعت بقسوة من بلدها الام وهُجّرت لاسباب سياسية متعلقة بالفهم العنصري والشوفيني ضد مواطنين عراقيين صالحين كاليهود. ويركز جهد لطيف على توثيق الخدمات الجبارة التي قدمها اليهود العراقيون الى بلادهم، وتوثيق سيرة اعلامهم ومثقفيهم، فضلاً عما مروا به من مآس، والى جوار ذلك ينشط بالتعريف بالمكونات العراقية الاخرى الاصيلة والتي ايضاَ واجهت اضطهاداً لا يقل بشاعة.

نشر وكتب واعدّ اكثر من 14 كتاباً عن المواطنين اليهود ودورهم الوطني، فضلا عن بقية المكونات الاخرى التي تواجه المحو والطرد من العراق.

 

* ما سبب اهتمامك البارز بموضوع يهود العراق؟

 ـ دائما ما أسال هذا السؤال، ان الذي اثار اهتمامي في موضوع يهود العراق هو ان جدتي (والدة امي) كانت تحكي لي قصصا، وانا طفل في سن السابعة من عمري، وتحدثني عن اهمية ودور وكيف كانوا مسالمين وصادقين في التعالم والمواقف. بقيت هذه الحكايات في ذاكرتي. وعندما وصلت الى مرحلة مبكرة من الوعي، بدأتُ ابحث عن الكتب والمصادر عن تاريخ يهود العراق. وابحث عن اي معلومة حتى لو كانت شفوية تخدمني فيما ابحث واكتب. وعاهدت نفسي ان اكتب وانشر عن يهود العراق بعد ان كان الموضوع محظورا لمدة اكثر من نصف قرن.

 

* كيف تفسر الاهتمام المتزايد باليهود؟ ما علاقته بالوضع الراهن في العراق؟ من المهتمون؟

ـ وما زال لدى العراقيين الكثير من الذكريات عن يهود العراق الذين انحسر وجودهم ودرست الكثير من معالمهم المادية، مما يضع امامنا مسؤولية تاريخية حول ضرورة التدوين للتراث الشفاهي. واذا كان التاريخ الشفاهي في تعريفات المؤرخين يشمل  مجموعة التقاليد من أساطير ووقائع ومعارف ومذاهب وآراء وعادات وممارسات، فاننا حين ندون تاريخ مجموعة اثنية او دينية، يعني اننا ندون تاريخ العراق كله نظرا لان طوائف العراق واقوامه يرتبطون بوشائج التاريخ والجغرافيا والحياة المشتركة.

 

 

* ما مواقف الشارع العراقي بهذا الموضوع؟ هل تغيرت؟ هل هناك حنين الى اليهود؟

ـ موقف الشارع العراقي متذبذب؛ بمعنى متعاطف مع يهود العراق ويعرف انجازاتهم ودورهم في بناء العراق في تلك الفترة، لكن في نفس الوقت يحاول تسقيط من يدافع عنهم، ويكتب عنهم، ويتهمونه بالصهيوينة. انها مفارقة تعكس شخصية الانسان العراقي المزدوجة.

 

* هل هناك صعوبات بالكتابة عن اليهود؟

ـ هناك من يتهم كل من يهتم بالكتابة عن يهود العراق بأنه صهيوني وغيرها من التهم الجاهزة. انا تعرضت في البداية لكثير من المضايقات، عند كتابتي عن يهود العراق. والسبب اننا تربينا على ثقافة حزب البعث: كل من يتناول موضوعا عن اليهود يعتبر صهيونياً او اسرائيليا، لكن الوضع الآن في العراق فيه الكثير من الحرية والديمقراطية يسمح بتناول هذا الموضوع. انا عندما اكتب عن يهود العراق اكتب عن مكون عراقي له دور مهم وكبير في تاريخ العراق الحديث، ولا دخل لي بالسياسة أبدا.

بصراحة الخوض في موضوع يهود العراق، فيه بعض الصعوبات، لان الوعي العراقي لا يزال يعاني بعض التخلف، لأن الأغلبية ينظرون إلى موضوع يهود العراق نظرة عنصرية، فيعبرون أي موضوع إسرائيلي او صهيوني، ويبرطونه بموضوع فلسطين. بصراحة انا واجهت وما ازال اجد صعوبات من العديد، بسبب خوضي في هذا الموضوع. يحاول الكثير تشويه سمعتي، واتهامي بانني صهويني، واعمل لصالح الموساد، واسرائيلي وغيرها من التهم الجاهزة.

 

* كيف ترى مكانة اليهود في العراق قبل الترحيل؟

ـ أنتج يهود العراق ثقافة وصحافة وفنا واقتصادا، هي الأرقى في تاريخ العراق منذ بداية أزمنة الدعوة الحضارية، قبل سبعة قرون خلت. كانت مكانة يهود العراق مهمة للغاية  في بناء الدولة العراقية، فقد برز الكثير منها اقتصاديا وصحفيا وادبيا وفي مجالات اخرى. وكم نتأسف على الأجيال الصاعدة لجهلها بسيرتهم وسمات اندماجهم العضوي داخل الكيان العراقي. وما زال الخطاب العام بالثقافة العراقية متشنجا بصددهم، بعد أن استنام على ماض قومي متحجرا، وطائفيا شوفينيا متعجرفا، أوغل في مسخ الهوية الثقافية والذاتية العراقية وتهميش باقي الأقليات العريقة التي كونت في السابق عبقرية العراق الفذة.

 

* كيف تفسر الترحيل؟

ـ تهجير يهود العراق ترك اللوعة والاسى في قلوب من جاورهم واحـبهم واحبـوه صادقين. انا اعتبر ان العراق بلد طارد لمكونات واقليات عراقية؛ فقد هجر يهود العراق قسرا، وهجر الاكراد الفيلية، وهجر المسيحيين وهجر السنة وهجر الشيعة وهكذا..  انا موقفي: ان تهجير يهود العراق كان جريمة بحق موطنين عراقيين خدموا العراق، بكل ما يملكون. قدمت الحكومة العراقية في وقتها لتهجير يهود العراق وقدموا اجمل خدمة لاسرائيل، بعد ان طردوا كفاءات عالية كانت تدير البلد. تهجير يهود العراق في وقتها خلق فجوة في الجانب الاقتصادي للبلد، كونهم كانوا مسيطرين على اقتصاد العراق، ولأنهم تميزوا وذوو عقلية اقتصادية، فالكثير من العراقيين الى الان ما زال يحن ليهود العراق، ويعتبرهم عراقيين حقيقيين، خسرهم العراق كثيرا. إن الحقيقة الدامغة تشير الى أن هؤلاء مغروسون في الأرض العراقية، منذ  اكثر من2600 عام، ولم يأتوها محتلين، بل سبايا مبعدين، فاحبوا بابل والنهرين واخلصوا لهما، وأمسوا صلب العراق دون مزايدة، أو مصادرة لحق محتل أو طامع.

قرار اسقاط الجنسية العراقية عن يهود العراق في فترة حكومة توفيق السويدي عام 1950 وتجميد اموالهم واعتقالهم بصورة عشوائية بتهم ملفقة عديدة، منها الصهيونية والشيوعية ثم تسفيرهم من وطنهم النهريني العريق، جاء في سياق مؤامرة عالمية معروفة. ومن حينها بدأ نزف العراق، ومنها طفحت على السطح اشكالية تهجير العراق لخيرة ابنائه، كما حدث بعد ذلك في العقود الصدامية العجاف.

بصراحة ان يهود العراق كوجود بشري، اصبح من التراث العراقي، لكن وجودهم المعنوي والتاريخي لا يمكن اغفاله أبدا.

 

* الآن أكثرية يهود العراق تعيش في اسرائيل, لهم ابناء واحفاد, هل تقبل انتماءهم على اجيالهم المختلفة الى اسرائيل؟

ـ الكثير من الكتاب والأدباء والباحثين اليهود في اسرائيل لديهم تواصل مع العراقيين من خلال الاتصال عبر التواصل الاجتماعي والبريد الالكتروني وغيرها، ويعرفون اخبارهم ويحتاجوهم في بعض المعلومات. وفي العراق نتابع ما ينشر عن يهود العراق باللغة العربية من كتب ودراسات ومقالات لكتاب اسرائيليين من اصل عراقي.

شاهد أيضاً

٤٥ ألف كتاب مجاني بأكبر مهرجان للقراءة في العراق

انطلاق الموسم ١١ لمهرجان “أنا عراقي أنا أقرأ” بحضور أكثر من ٣ آلاف شخص شهدت …

error: Content is protected !!