“ديستوبيا”: رحلة عبر الزمن لإيقاف وباء فيروسي

طاهر علوان

يشكّل خراب العالم أو الديستوبيا موضوعا مفضّلا لطالما خاض فيه السينمائيون ووجدوا فيه ما يكفي من الإثارة، كما اجتذب جمهورا واسعا، وكل ذلك في إطار الخراب الأرضي، وليس فيلم “ديستوبيا.. عالم مجنون” من إخراج بول تانتر (إنتاج 2018)، إلاّ امتدادا لها.

ويعالج الفيلم صورة العالم المستقبلي في العام 2037،عندما يجتاح العالم وباء يقضي على المواليد الجدد ويستهدف الحياة الإنسانية برمتها، يقع ذلك في وسط دوامة من المعضلات عندما تتحكّم إدارة موحّدة مقادير الأمور وتبرز شركة عملاقة عابرة للحدود اسمها “بيوكورب” والتي تأخذ على عاتقها إنقاذ البشر من الوباء، لكنها لا تقوم بشيء يذكر، كما تقوم أذرعها المتنفّذة بملاحقة من يحول دون الخروج من المأزق.

هذه الأجواء الكابوسية تدفع العالم توماس (الممثل سيمون فيليبس) وزميله ديفيد (الممثل ليو غودمان) إلى عبور حاجز الزمن والعودة إلى العام 2017، وذلك في محاولة للتصدي لبدايات ظهور الوباء وكذلك اقتفاء أثر المتسبّبين فيه. إذا نحن أمام معالجة سينمائية تتعلّق بالانتقال عبر الزمن، وهي ليست بجديدة، لكنها هنا تتّخذ طابع المغامرة، لا سيما بعد مقتل زوجة توماس ممّا يدفعه إلى الرحيل عبر الزمن لغرض الانتقام.

وخلال ذلك يجد الصديقان الشريكان توماس وديفيد نفسيهما أمام وجهتي نظر متقاطعتين، حيث يؤمن توماس بحل عنيف يقضي بملاحقة جميع من يعمل في مشروع شركة “بيوكورب” وصولا إلى محاولته نسف المبنى الذي تقيم فيه الشركة أحد احتفالاتها.

ومن هناك يتحوّل السرد الفيلمي إلى مطاردات عنيفة وقتل وانتقام، ليصبح توماس ندّا لشخص شرس يتبع الحكومة هو دان (الممثل داف هوبز) الذي يسخّر إمكانيات ضخمة لملاحقة القائمين على مشروع إجهاض خطط “بيوكورب” التي بدأت في العام 2017.

وتتداخل الخطوط السردية وتكتسب طابعا عاطفيا، خاصة مع شعور توماس بحنين جارف لزوجته التي قتلت من قبل الشرطة، وأنه لا بد أن ينتقم لها فيما يخسر ديفيد زوجته لاحقا.

وفي ما يتعلق بالسرد في مساحة الزمن المستقبلي، فقد تم الاشتغال بعناية على ذلك الإحساس العميق بزحف الزمن وفوبيا مرور الوقت سريعا والعودة للمستقبل، كما هناك ذاك الترقّب والحذر من دخول أطراف من الحكومة للقضاء على المهمة، خاصة وأن توماس وزميله يمتلكان برنامجا رقميا يمكّنهما من معرفة وجود من يتعقبهما، وهو ما يقع فعلا ممّا يصعّد المواجهة بين الطرفين.

ويقدّم الفيلم صورة مألوفة للشركات التي لا يهمها سوى تحقيق أهدافها في جني الأرباح في مقابل ما يصيب البشر من مصائب، وتمثل شركة “بيوكورب” نموذجا بشعا في تورطها في تلك الأعمال التخريبية للمجتمع، بما فيها التستّر على أبحاث خطيرة تتعلّق بإنتاج الفيروسات القاتلة.

أما قوّتا الصراع الأساسيتان في الفيلم، فترسّخان بناء دراميا متماسكا طغت على أغلب الأحداث الفيلمية مع جانب إنساني مؤثّر يتعلّق بخسارة توماس لزوجته وحنينه الدائم لها ممّا يقوده للانتقام بأي شكل وبأي ثمن.

ويبدو حلّ ماكينة الرحيل عبر الزمن من الحلول المألوفة، بل المكرّرة في العديد من الأفلام التي تتعلّق بهذه الثيمة، لكن الاختلاف في هذا الفيلم يكمُن في إسباغ مسحة بوليسية ومساحة للمطاردات والتعقّب والجاسوسية على مسار الأحداث ممّا كسر الرتابة ووفّر مساحة إقناع أوسع في مسار الدراما الفيلمية.

ولعل الميزة الأخرى تتمثّل في إغناء المشاهد الفيلمية وإشباعها دراميا، حتى أننا نتغاضى عن تكرار قصة الانتقال عبر الزمن من جهة، مع تهميش موضوع الفيروسات التي تضرب البشر من جهة أخرى، وبذلك تحقّق نوعا من التنويع في المشاهد الفيلمية التي قدّمتها الشخصيات الرئيسية عبر أداء مقنع ومميّز.

في المقابل، كانت مساحة الغرافيك والمؤثرات الصورية ضعيفتين تقنيا، خلافا لما هو معتاد في الكثير من أفلام الخيال العلمي، خاصة تلك التي تعرض لموضوع الزمن الفيلمي وقد اكتسبت أحداث الفيلم شكلا واقعيا عند الانتقال إلى العام 2017.

ولعلّ الثغرة التي يمكن تشخيصها هنا، إنما تتعلّق بالمطاردة والتعقّب، فالضابط المكلّف بالملاحقة لا يتورّع في قتل فريق حراسة كامل بدم بارد من دون أن يوفّر هامشا للإقناع، وفي أثناء ذلك يضاف إلى عملية الانتقال في عربة الزمن في حد ذاتها التي تحتاج هي الأخرى إلى المزيد من الحبكة، وإلاّ ما معنى أن يستلقي الشخص فيجد نفسه عابرا للزمن؟

شاهد أيضاً

٤٥ ألف كتاب مجاني بأكبر مهرجان للقراءة في العراق

انطلاق الموسم ١١ لمهرجان “أنا عراقي أنا أقرأ” بحضور أكثر من ٣ آلاف شخص شهدت …

error: Content is protected !!