رجاء الفراتي
تتغاير صور العنف الاسري في العراق، ما بين البدني والذهني الذي يُمارس من قبل رب الاسرة على عائلته بوسائل شتى، هذه الوسائل تجر خلفها افات متعددة تهدد الاسرة منها التفكك الاسري والانتحار والانسلاخ عن العائلة.
وفي خضم حرصه على مواكبة مشاكل المجتمع ومعالجتها كان لمنتدى الاعلاميات العراقيات، ندوات متعددة متخصصة للحد من العنف الاسري ، اذ اطلق المنتدى حملته اواخر العام المنصرم، للتوعية بأهمية التعجيل بإقرار مشروع قانون الحد من العنف الاسري من خلال اعداد استبانة ميدانية اعتمدت رسميا من قبل مجلس النواب وقد اثبت الدراسة على وزعت على 900 عينة عشوائية بين بغداد و بعقوبة والديوانية ان 59% من المبحوثين تعرضوا للضرب من قبل اسرهم وان 63% اصيبوا بعاهات نفسية وجسدية و 43% منهم يؤيدون باهمية اقرار قانون الحماية من العنف الاسري اضافة ان 71% يطالبون بايجاد اماكن ايواء للضحايا .
الدكتورة بشرى العبيدي المستشارة القانونية لمنتدى الاعلاميات ، وضحت لصوتها ان المادة 9 من قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 والتي تنص على انه “لا يحق لأي من الاقارب او الاغيار اكراه اي شخص ذكر او انثى على الزواج دون رضاه ويعتبر عقد الزواج بالإكراه باطلا”، بما يو ضح واحد من اساليب العنف الاسري الذي يمارس في المجتمع.
إنطلاقا من نص المادة (29) من الدستور يثار التساؤل الآتي: أين حقوق المرأة والطفل داخل الأسرة العراقية؟ فبحسب “مسح صحة الأسرة العراقية للمدة 2007-2016” (IFHS) ذكرت بأن واحدة من كل 5 نساء عراقيات تتعرض للعنف الأسري البدني، وتوصلت دراسة لوزارة التخطيط صدرت عام 2012 الى أن 36 بالمئة على الأقل من النساء المتزوجات أبلغن بالتعرض لشكل من أشكال الأذى النفسي من الأزواج، وأبلغت 23 بالمئة بالتعرض لإساءات لفظية، وأبلغت 6 بالمئة بالتعرض للعنف البدني، و9 بالمئة للعنف الجنسي.
لابد من الإشارة إن العنف لايعني فقط الضرب والاعتداء الجسدي، وإنما أيضاً العنف (النفسي، الجنسي، الاجتماعي، الاقتصادي والمادي)، فالعنف الجسدي: هو العنف الأكثر شيوعاً، لأن دلالاته واضحة، ولكن بالتأكيد هناك أنواع أخرى من العنف لا تقل تأثيراً عنه، مثل العنف النفسي والعنف الجنسي و العنف الإجتماعي وأخيراً العنف الاقتصادي والمادي
كيف للمرأة والطفل العراقي أن يطالبوا بالحماية في ظل مجتمع ونظام قانوني يجيز ذلك، حيث إن الموروث العشائري يحط من كرامة المرأة ويجعل منها وسيلة لحل النزاعات العشائرية كما حدث في حل نزاع مابين عشيرتين في البصرة مقابل 50 إمرأة وحالات عديدة مشابهة. ومن جهة القانون، فقد نصت المادة 41/1 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل “لاجريمة اذا وقع الفعل استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالا للحق: (1- تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الاولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً او قانوناً او عرفاً)”. أي أن افعال الضرب والعنف التي يمارسها الزوج تجاه زوجته والاباء تجاه أبنائهم استناداً للمادة المذكورة تعد من قبيل استعمال الحق والذي يعد بدوره سببا من أسباب الإباحة، والتي بمقتضاها لا يمكن مساءلة الزوج أو الأبوين جزائياً ولا مدنيا عما يقع من إعتداء مادام قد استخدموا حقهم المنصوص عليه قانونا بموجب المادة سابقة الذكر. واشتراط ان يكون التأديب في حدود المقرر عرفا وشرعاً وقانوناً، وهذا يعني انه اذا اطلقنا حدود السماح العرفي “طبقا للمادة القانونية” يعد التصرف العشائري ضمن حدود العرف.
استنادا إلى هذه المعطيات كان لابد على المشرع العراقي أن يأخذ الموضوع على محمل الجدية والاهتمام والإسراع في وضع تشريع يحد من العنف الأسري. وفعلا تم طرح مشروع قانون الحماية من العنف الأسري من قبل لجنة المرأة والاسرة والطفولة البرلمانية عام 2015 على مجلس النواب الا انه لم يقر لغاية رغم المناشدات والانشطة التي قام بها المجتمع المدني لغرض الاسراع باقرار القانون.
من جهتها أعلنت الامم المتحدة، اليوم الثلاثاء، عن اطلاق مبادرة “شراكة المسؤولية الفعلية” في العراق، بالتعاون بين ست منظمات إنسانية معنية بموضوع العنف ضد النوع الاجتماعي. وذكرت الامم المتحدة في بيان صحفي ان “المجتمع الإنساني أطلق (شراكة المسؤولية الفعلية)، وهي شراكة بين منظمات مختلفة من أجل الاستجابة للعنف القائم على أساس النوع الاجتماعي في حالات الطوارئ”.