صوتها – بغداد
مهدت المحكمة الاتحادية العراقية العليا يوم أمس الطريق أمام البرلمان، لتشريع قانون، يفرض على عدد كبير من المسؤولين، التخلي عن جنسياتهم الثانية المكتسبة أو ترك مناصبهم، وهو ما سيشمل عشرات الوزراء والنواب والسفراء والمحافظين، باعتبار ذلك الزاما دستوريا.
وقرر مجلس النواب، مؤخرا، تأجيل التصويت على قانون التخلي عن الجنسية المكتسبة، حيث اكتفى رئيسه سليم الجبوري بتشكيل وترؤس لجنة مشتركة، لحسم الخلافات على القانون، لكنها لم تنجز مهمتها حتى الان أيضا.
وكان عدد من النواب، قد جمعوا، مؤخرا، نحو مئة توقيع، مطالبين بتشريع قانون يشترط على المرشح لعضويته التخلي عن جنسيته الثانية، مؤكدين انه من غير المقبول أن يحتفظ مسؤول بمنصبه السيادي، وهو يحمل جنسية أخرى غير العراقية، منوهين إلى أنّ ترك الجنسية الأخرى يجنب المسؤول الوقوع في إشكاليات، إذا ما اضطر لاتخاذ قرارات تتعلق بالبلد الآخر الذي يحمل جنسيته، ولهذا يجب أن يحمل الجنسية العراقية فقط ليكون ولاؤه للعراق وحده.
ويشير هؤلاء النواب إلى أنّ قضية ازدواج الجنسية ساعدت بعض السياسيين – ممن تسلموا مناصب وزارية في الحكومات المتعاقبة على حكم البلاد بعد عام 2003، على الهرب خارج البلاد، والعجز عن ملاحقتهم قانونيا في تهم فساد تورطوا فيها، أثناء توليهم المنصب الحكومي، لفرارهم إلى الدولة الأخرى التي يحملون جنسيتها.
ويحمل عدد كبير من الوزراء والنواب والسفراء ومسؤولين كبار اخرين جنسيات أجنبية، اضافة إلى جنسياتهم العراقية ولم يتخلوا عنها لحد الان، تنفيذًا لنص المادة 18 رابعا من الدستور.
ومن بين هؤلاء المسؤولين، رئيس الوزراء حيدر العبادي ونائب الرئيس العراقي اياد علاوي ووزير الخارجية ابراهيم الجعفري، اضافة إلى عشرات النواب والسفراء والمسؤولين الحكوميين الاخرين، فيما كان رئيس الجمهورية فؤاد معصوم قد تخلى عن جنسيته البريطانية المزدوجة، بعد أيام من تسلمه منصبه الرئاسي، حيث أعلن في 28 ديسمبر/ كانون الاول عام 2014 تنازله عن جنسيته البريطانية امتثالا للدستور “الذي يقضي بعدم جواز تعدد الجنسية للذين يتولون المناصب السيادية في البلاد”.
وحصل هؤلاء المسؤولون على جنسياتهم الأجنبية الثانية لدى لجوئهم إلى بلدان تلك الجنسيات هربا من ملاحقة النظام السابق لهم.
وكانت الحكومة العراقية أحالت في عام 2009 إلى مجلس شورى الدولة مشروع قانون يلزم المسؤولين الذين يتولون مناصب سيادية وأمنية رفيعة، بالتخلي عن جنسياتهم الأجنبية، غير أن هذا المشروع لم يقر بمجلس النواب إلى الآن.
وتتهم اللجنة القانونية البرلمانية نواباً وسياسيين من أصحاب الجنسيات المزدوجة، بعرقلة مساعي تمرير مشروع قانون الجنسية المكتسبة، تحت قبة البرلمان.
وقال عضو اللجنة القانونية، النائب الكردي أمين بكر محمد، في تصريح تابعته “صوتها”، إن البرلمان سعى أكثر من مرة لتمرير قانون الجنسية المكتسبة والتصويت عليه لمنع تقلُّد أي مسؤول عراقي منصبا سياديا دون تخليه عن الجنسية الأخرى التي يحملها.
وأضاف، أن “عددا من النواب والشخصيات السياسية التي تملك مناصب مهمة في الدولة، عرقلوا تمرير القانون وسعوا إلى تعتيمه ووضع العراقيل أمامه بغية عدم تخليهم عن المناصب التي حصلوا عليها”.
من جانبها، بيّنت المحكمة الاتحادية العليا، في ردها على طلب دعوى بالزام مجلس النواب بإضافة شرط التخلي عن الجنسية الأجنبية، ضمن شروط عضويته، إنها “وجدت أن موضوع الطلب قد نص الدستور عليه في المادة 18 – رابعا منه وهو ما يتطلب صدور قانون لتنظيمه تنفيذا للنص”.
وأوضحت، أن قيامها بإلزام مجلس النواب بإصدار القانون أو باضافة الشرط، يخرج عن اختصاصاتها المنصوص عليها في قانونها رقم (30) لسنة 2005 وفي المادة (93) من الدستور.
وتنص المادة الدستورية 18 رابعا على “يجوز تعدد الجنسية للعراقي وعلى من يتولى منصباً سيادياً أو أمنياً رفيعاً، التخلي عن أية جنسية أخرى مكتسبة وينظم ذلك بقانون”.
وأشار المتحدث الرسمي باسم المحكمة، إياس الساموك، إلى أن “المحكمة الاتحادية العليا نظرت دعوى بطلب الزام المدعي عليه (رئيس مجلس النواب/ إضافة لوظيفته) باضافة شرط التخلي عن الجنسية المكتسبة للعراقي الذي اكتسب جنسية أخرى وذلك للمادة (الثامنة) من قانون انتخابات مجلس النواب كأحد شروط العضوية لمجلس النواب”.
وقال، إن ذلك “يخرج عن اختصاصات المحكمة”.
وعلى الرغم من أن الدستور منع منذ تشريعه في 15 أكتوبر/ تشرين الاول عام 2005 ازدواج الجنسية لدى المسؤولين الذين يشغلون مناصب عليا في الدولة العراقية، إلا أن جميع هؤلاء مازالوا محتفظين بجنسياتهم الأجنبية إلى جانب الجنسية العراقية؛ حيث تماطلت الحكومات المتعاقبة ومجلس النواب في دوراته السابقة في تشريع قانون ينظم آلية تطبيق إلغاء الجنسية المكتسبة من المشمولين بها.
يشار إلى أنّ المشمولين بهذا المنع هم رئيس مجلس النواب ونائباه وأعضاء المجلس ورئيس الجمهورية ونوابه الثلاثة ورئيس الوزراء والوزراء ومن هم بدرجة وزير ومحافظ البنك المركزي ورئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى، إضافة إلى السفراء والمحافظين ورؤساء الحكومات المحلية للمحافظات والمدراء العامين فما فوق في الجيش وقوى الأمن الداخلي والأجهزة الأمنية وجهاز المخابرات.