صوتها ـ مهدي المهنا
الكثير من المزارعين في أرياف الجنوب، بدأوا الهجرة الى القرى الى المدينة، لأنهم ببساطة يرفضون العيش بـ”عراق بلا رافدين”، ما يعني أن الآثار ستكون وخيمة على المجتمع، بخاصة مدن الجفاف، التي ستتعرض الى “تغيير ديموغرافي”.
وبحسب مهندسون زراعيون، ان العراق سيتعرض لأخطر أزمة في تاريخه منذ آلاف السنين، وهي أزمة المياه التي ستقتل آلافاً من المزروعات، وتصحر مساحات هائلة من الأراضي الزراعية، في حال استكملت خطة سد أليسو.
هذه الحقيقة، يعززها افتتاح سدٍ أليسو التركي، في شباط الجاري، والذي بدأت تأثيراته السلبية على نهري دجلة والفرات، تظهر منذ مطلع العام الماضي، ما دفع الكثير من الشباب والناشطين، في مجال البيئة، الى إقامة مختلف أنواع الحملات، للضغط على الحكومتين التركية والعراقية لإنهاء هذه الأزمة الكارثية.
ووفقا لمتابعين لملف المياه، فإن المدن التي ستتعرض لكارثة الجفاف المتوقعة هي بغداد والناصرية وميسان والنجف وكربلاء والمثنى وصولاً إلى البصرة (جنوب).
وكان العراق وتركيا قد اتفقا في آذار 2017 على تفعيل مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين عام 2014، والتي تضمنت 12 فقرة بينها التعاون المشترك في المجالات الزراعية والصناعية وقضية مياه الشرب.
فبين أخطاء حكومية ومصالح الدول الاقليمية، يضيع حق العراق في حصته المائية، حسبما يقول عضو لجنة الزراعة النيابية محمد الصيهود.
ويشير الصيهود الى، ان “70% من واردات العراق المائية من تركيا. غالبيتها تذهب هدرا نتيجة السياسة المائية الخاطئة للبلاد”.
ومع افتتاح السد التركي، يقول الصيهود إنه سيقطع مياه الشرب عن محافظات الوسط والجنوب.
لكن وزير الموارد المائية، حسن الجنابي، أكد تلقيه تطمينات غير مكتوبـة من الجانب التركي، تفيد بان “املاء سد اليسـو بالمياه، لن يلحق ضررا بالعراق”.
وأوضح، انه سيتم ملء السد في آذار المقبل.
وقال الجنابي، في تصريح سابق، انه “قلق” من تنفيذ الخطة المائية الخاصة بالعام الجاري.
واضاف، ان هناك معرقلات تعترض العمل بتلك الخطة.
وأبرز ما تتضمنه الخطة، بحسب الجنابي هو “إعادة تشغيل سد دربندخان، لأنه سد استراتيجي ومغذٍ لنهر دجلة”.
وكان رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، قد قرر في وقت سابق تأجيل ملء سد أليسو التركي، الذي انتهت أنقرة من بنائه على نهر دجلة مؤخرا حتى شهر يونيو/ حزيران المقبل، بدلا من مارس/ آذار، بحسب تصريحات لمسؤولين عراقيين وأتراك الشهر الماضي.
ومن المتوقع، أن ينخفض وارد نهر دجلة من المياه عند الحدود التركية إلى 9.7 مليارات متر مكعب سنوياً، بعد ملء السد التركي، مقابل نحو 20.93 مليار متر مكعب سنوياً قبل ذلك.
ووفقا للجنابي، من المتوقع أن يشهد الصيف المقبل “جفافاً قاسياً” نتيجة الحرارة الشديدة المتوقعة، وارتفاع نسبة التبخر وكل المؤشرات تدل على ذلك.
وضرر ذلك سيكون كبيرا على المناطق الريفية والأهوار (المسطحات المائية التي تغطي الأراضي المنخفضة)، وستتضرر الزراعة في تلك المناطق، بينما لن يتمكن السكان من الحصول على مياه الشرب، كما يؤكد الجنابي.
وأخبرت مصادر مطلعة في وزارة الموارد المائية في وقت سابق، بأن هناك خطرا بجفاف مخيف سيضرب العراق خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، في حال لم تستجب تركيا لمطالب بغداد برفع من حصة العراق المائية لنهر دجلة، على وجه التحديد، وكذلك الفرات.
وقالت المصادر، ان “الجفاف سيضرب عددا من القطاعات المهمة أبرزها الزراعة والصناعة والثروة السمكية والحيوانية. كما ستتوقف ثلاث محطات توليد كهرباء على سدود الموصل وحديثة وكردستان (شمال)، فضلا عن توقف مياه الشرب الواصلة للمنازل”.
فيما كشفت عن تشكيل خلية الطوارئ داخل الوزارة، لوضع برنامج تقنين استخدام المياه وإعادة النظر بتوزيع الحصص للمناطق الزراعية ومعالجة التجاوزات الحاصلة من قبل المصانع والورش وغيرها، فضلا عن مراجعة خزين العراق من المياه الجوفية ومحاولة استخدام بعض الآبار للشرب في بعض المدن بحال وصلنا إلى مرحلة تتطلب حالة طوارئ بسبب الجفاف.
ويتوقع الخبير المائي حسن المالكي، أن ينخفض وارد نهر دجلة من المياه عند الحدود التركية إلى 9.7 مليارات متر مكعب سنوياً بعد ملء السد التركي، مقابل نحو 20.93 مليار متر مكعب سنوياً قبل ذلك.
وقال المالكي إن “السنوات الأخيرة شهدت إنشاء العديد من السدود داخل تركيا على نهري دجلة والفرات، ما تسبب في تقليص مناسيب المياه المتدفقة إلى العراق، ومن المتوقع أن تنخفض نسبة المياه الواردة في نهر دجلة نتيجة قيام تركيا بعمليات مستمرة لملء سد أليسو بالمياه”.
وأضاف، أن السد التركي سيتسبب بحرمان 696 ألف هكتار من الأراضي الزراعية في العراق من المياه، وبالتالي التعرض لخطر الجفاف ووقوع خسائر فادحة في المزروعات.
فيما حذر مسؤولون عراقيون، من توقف كافة المشاريع الاستثمارية المتعلقة بتوليد الطاقة في البلاد نتيجة شح المياه.
وتوقع محمد عبد اللطيف العمري، مستشار مركز التخطيط الحضري والريفي، أن تبلغ خسائر العراق في مجمل القطاعات المتضررة من الجفاف خلال العام الأول بأكثر من 10 مليارات دولار.
وقال العمري، إن الخسائر لن تقتصر على الماديات فقط، بل ستكون لها آثار وخيمة على المجتمع والتغيير الديموغرافي الذي سيطرأ في مدن الجفاف.
المشكلة المائية التي تتفاقم مع لفظ أيام العام الجاري، دفعت بالكثير من الناشطين والمهتمين بالملف المائي الى إقامة العديد من حملات المدافعة، لتبيان المشاكل التي يتعرض لها الرافدان العراقيان، ومدى قلة الواردات المائية منذ بداية العام الحالي. حيث نظمت جمعية حماة نهر دجلة بالتعاون مع المنتدى الاجتماعي العراقي، معرض صور يحتوي على عدد من الصور الفوتوغرافية، ولوحات رسم، شارك فيها عدد من الفنانين من عموم محافظات العراق، نهاية الشهر الفائت.
ووثق المعرض لشح المياه، وجفاف نهري دجلة والفرات، حيث تمر البلاد اليوم بأزمة كارثية، تهدد امنه المائي بشكل مباشر، بسبب السدود المقامة على نهري دجلة والفرات من الجانبين التركي والإيراني، فضلا عن السياسات المائية المتبعة في العراق.
وبالتزامن مع المعرض المقام في بغداد، نظم منتدى الديوانية للسلام والبيئة، قبل أسبوعين، فعالية مشابهة، شهدت عرض عدد من الاعمال الفنية من لوحات وصور فتوغرافية.
ويعتزم الناشطون تنظيم معارض مماثلة ووقفات احتجاجية حول شح المياه في مدن، هيت، الناصرية، ميسان، والنجف.
بينما أطلق ناشطو محافظة النجف الاشرف، حملة (عراق بلا رافدين). وكان هذا عنوان معرض فوتوغرافي لتلك المدينة.
علي صاحب، القائم على الحملة، قال ان “عراق بلا رافدين، هو تعبير افتراضي اخترناه عنواناً لهذا المعرض، للإشارة الى ان العراق الذي طالما عرف باسم بلاد الرافدين، قد يصبح على المدى القريب بلا رافديه، وبلا انهاره، اذا ما استمرت السياسات العشوائية في التعامل مع ملف المياه، وابقائها في ذيل قائمة الاولويات الوطنية”.
فيما يقول سلمان خير الله، الناطق الاعلامي لحملة انقاذ دجلة انهم يتابعون “بقلق شديد معطيات تدهور الوضع المائي الخاص بنهر دجلة، والذي بلغ حداً خطيراً جداً، يهدد بكارثة بيئية حقيقية، قد يعيشها العراق في قادم الأيام”.
ويضيف خير الله، أن “تصريحات الحكومة العراقية، تزيد قلقنا، والتي جاءت بعد البرقية المرسلة من السفارة التركية في بغداد الى الحكومة العراقية، والتي اعتبرت تأجيل إملاء خزان سد أليسو حتى حزيران القادم، هو نجاح للحوارات السابقة، وهذا وفق وجهة نظرنا يعبر عن: أولاً: إن الحكومة التركية، مستمرة بخداع الحكومة العراقية، حول الموعد الحقيقي لعمل السد، ومستمرة أيضاً في إعطاء التفضل على العراق بهذا الوقت الممنوح كذباً”.
ويتهم خير الله، وزارتي الزراعة والخارجية بـ”التهاون بالمطالبة بحصة العراق المائية، والتي يمكنهم أن يطالبوا بمساندة دولية، ومن قبل اليونسكو، للضغط على الحكومة التركية بهذا الشأن”.
وفيما ينتقد خير الله الموقف الحكومي وإجراءاتها “وموقفها المتساهل والضعيف”، قال إن “الأخبار القادمة من زملائنا وأصدقائنا الناشطين هناك، تشير وبوضوح تام الى أن العمل على بناء السد ما زال مستمراً حتى اللحظة، ولم ينجز حسب إدعاء الحكومة التركية”.
ويلفت الى، أن “العديد من العوائل الساكنة في مدينة حسن كييف التاريخية المخطط إغمارها بالمياه كجزء من خزان سد أليسو، ما زالوا رافضين مغادرة منازلهم، إضافة الى ذلك أن العديد من المراقد الدينية والأثرية لم ينجز نقلها الى مواقع جديدة خارج نطاق خزان السد، بالإضافة لوجود العديد من المتعلقات القانونية والإدارية التي تعارض تشغيل السد، نظراً للضرر الذي سيلحقه بالمدن الواقعة أسفل السد”.
وبحسب خير الله، ان هذه “مؤشرات على عجز الحكومة التركية عن تشغيل السد، حتى وقت قريب”.