ثقافة العفو والتسامح

عادل كاطع العكيلي

في أثناء تأليف كتابي (لمن يريد النجاح فقط) الذي كان يتناول موضوعات في تطوير الذات، أشار إليّ العديد من الأصدقاء إلى ضرورة التأكيد على ثقافة التسامح والعفو عن الآخرين. ولكون التسامح من أهم المحاور التي تناولتها ضمن محاور تطوير الذات في كتابي، قمت بتضمين محور(تطوير الذات من خلال مسامحة الآخرين) الذي بيّنت فيه إذا أردتَ أن تسعى إلى تطوير ذاتك يجب عليك أن تتحلى بالتسامح والصفح عمّن أساء إليك، ويجب أن تكون قوة التسامح هي القوة التي تساعدنا في التغلّب على الضيق والألم والحزن الذي سببّه الآخرون لنا، وليس هذا فقط، بل منحهم العفو عما اقترفوه من إساءة لنا، وعلى الشخص أن لا يكون محمّلا بأعباء الحقد والضغينة. ولقد كان حديث الرسول (صلّى الله عليه واله وسلم) في أسمى مصاديق العفو والتسامح تجاه الآخرين حينما قال: “صل من قطعك وأعط من حرمك وأعرض عمّن ظلمك”. إنّ الصفح هو تلك الراحة التي تشعر بها حيث تنتصر على معاركك الداخليّة، والتحرر من الأحاسيس السلبية والشعور بأننا نحيا في عالم لا إنصاف فيه. وتغرينا بأن نمارس فيه دور الضحية ونلقي باللوم على من حولنا ونتّهمهم بأنّهم السبب في تعاستنا، إننا نملك الثقة بأنفسنا بأننا نملك حقّ الاختيار بأن لا نكون ضحايا، فنختار الحب بدلاً من الكره والصفح بدلاً من الحقد وأن لا نستبقي الشعور بالمرارة والتذمر.

 ولأجل أن نرتقي بذواتنا إلى مراتب السمو يجب أن نسامح ونعفو ومع مرور الوقت تصبح هذه الصفة ملازمة لنا، وتكون هناك تساؤلات في أنفسنا (كيف لي أن أعفو عنه وكأنّ شيئاً لم يكن، أو كيف أحرّره من إثم فعلته).

فيكون الجواب أنّ العفو عمّن ظلمنا هو تحرير لأنفسنا في مواقف سببت لنا الألم، وأنَّ الاحتفاظ بذكرى أليمة وموجعة في صدورنا نرتكب عدة أخطاء اولاً: “سوف أسمح لهذا الشخص أن يحتلّ جزءاً من عقولنا وأرواحنا، فهل يستحق ذلك؟”.

وثانياً: إننا ان لم نتخلّص من هذه الذكرى المؤلمة سوف نعلن عجزنا وقصورنا في التعامل مع ما مضى يقول نلسون مانديلا: “عندما تحمل الشعور بالاستياء تكون كمن يشرب سمّاً وينتظر من عدّوه أن يموت”. فعليك رفع رايتك البيضاء معلناً العفو والصفح، وسوف تجد القلوب والأرواح تحفُّ بك والحبّ يحوطك أينما حللت. لا تحاول فتح ملفّ العداوات، إن العالم سيكون أجمل بلا عداوة؛ إذ يقول برتراند راسل: “الحياة أقصر من ان نقضيها في تسجيل الأخطاء التي ارتكبها غيرنا في حقّنا”. وحاول أن لا تنصب للناس محاكم تفتيش في صدرك. وتحرَّر من كل الرسائل السلبية التي خلّفتها جروح الآخرين عليك. وعلينا ألآ نتطيّر أو نتبرم من نقد الآخرين لنا، حتى لو كان النقد غير صحيح برأينا، لأنّ ذلك يفقدنا أهم شيء لدى الإنسان، وهو عنصر رباطة الجأش والسيطرة على النفس، ويكلفنا خسارة من يحبّوننا ونحبهم.

شاهد أيضاً

ازمة لبنان تعبر خطوط الإنذار

العاصمة بيروت تتعرض للقصف الجوي من العدوان الإسرائيلي ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى َوتهجير …

error: Content is protected !!