صوتها ـ مهدي المهنا
لما كان العراق الاكثر تعرضا للأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية منذ الاحتلال الأمريكي في العام 2003 وحتى اليوم، فانه يواجه مشكلات التشرد والعنف الاسري والتمييز الطبقي والطائفي بين مختلف فئاته. فكل هذه العوامل شكلت بيئة خصبة للاكتئاب، وعدم القدرة لدى الكثيرين في التكيف مع هذا الواقع المرير، وفقد الثقة بالمستقبل نتيجة عدم القدرة لديهم على التغيير والتفكير بأن في الانتحار خلاصهم، سواء كان المواطنون قد تعرضوا لهذا الضغط بمسببات داخلية او خارجية.
ويشكل الانتحار ظاهرة عالمية لا تفرق بين دول العالم النامي والمتحضر؛ حيث تؤكد تقارير منظمة الصحة العالمية ان وفاة نحو 800 ألف شخص منتحراً سنويا، أي بمعدّل شخص كل 40 ثانية في فئة الشباب بين 15 و29 سنة.
وبعد ان تصدرت محافظات بغداد وكربلاء وذي قار في تحقيق أعلى نسب للإنتحار في العراق، بحسب إحصائيات رسمية في العام 2016، ولم يحفز هذا الامر الجهات المعنية، للعمل بشأن الحد من هذه الظاهرة المقيتة خلال العام 2017 ما ادى الى زيادة اعداد المنتحرين في العراق، وانتشار هذه الظاهرة في أغلب المحافظات.
يذكر ان إحصائية رسمية أفادت بأن بغداد وكربلاء وذي قار، تصدرت بقية المحافظات بعدد المنتحرين من الذكور والإناث، بينما لم تشهد ثلاث محافظات تسجيل أية حالة.
وأكدت الإحصائية، أن العاصمة بغداد سجّلت 38 حالة انتحار متصدرة جميع المحافظات، تلتها كربلاء بـ23، ثم ذي قار مسجلةً 22 حالة. وجاءت المحافظات الأخرى في الإحصائية كالتالي: القادسية 15، بابل 12، صلاح الدين 6، البصرة 3، ميسان 2، بينما سجلت محافظات واسط وكركوك حالة واحد لكل منهما، ولم تسجل النجف وديالى والمثنى أية حالة انتحار خلال العام 2016.
لكن نسبة 1% في كركوك، بدأت تتزايد بشكل ملحوظ العام الماضي، لتكون من بين المحافظات الاولى انتحارا.
وتشير الاحصائيات الى، ان حالات الانتحار في كركوك في ازدياد، بالنسبة للسنوات السابقة، وتتباين النسب بين الاناث والذكور. المتحدث باسم شرطة كركوك، العقيد افراسياو كامل، صرح بانه في اول ثلاثة اشهر من عام 2017 فقط، انتحرت 8 نساء في مدينة كركوك.
كما أفاد مصدر في شرطة كركوك، بانتحار شاب نازح شنقاً جنوبي المحافظة.
واضاف، أن صبيا يبلغ من العمر 14 عاما أقدم على الانتحار شنقا، داخل منزله في قرية صاري تبة جنوب شرقي كركوك، فيما يؤكد ان هناك الكثير من حالات الانتحار الاخرى في المحافظة، ولاسباب متعددة تتنوع بين مشاكل عائلية ودينية ومادية بالاضافة الى اسباب مبهمة.
وأخيرا، اقدمت طالبة في مدينة كركوك على الانتحار بسبب عدم امكانية عائلتها من توفير المستلزمات الضرورية لها للعام الدراسي الجديد، ما دفع تحالف القيادات الشابة التابعة لجمعية الامل في محافظة كركوك، الى إطلاق حملة للتوعية، ضد الظاهرة، التي بدأت ترتفع “بشكل مخيف” في المحافظة، منتقداً “الدور السيئ” للبرلمان لتأخيره في إقرار قانون مناهضة العنف الأسري.
وقالت مسؤولة الجمعية سرود محمد فالح في حديث له عبر فيسبوك، إن “تحالف القيادات الشابة في محافظة كركوك قام باطلاق حملة (معاً ضد الانتحار في كركوك) بدعم من جمعية الأمل العراقية ومنظمة الاوكسفام الدولية، عازية نتيجة زيادة حالات الانتحار بالمحافظة إلى “انعكاس نتائج الحروب على واقع المجتمع والأسرة بالاضافة الى عسكرة المجتمع وسوء الوضع الاقتصادي وزيادة سيطرة ثقافة العشائر وضعف دور أجهزة إنفاذ القانون نتيجة انشغالهم بالحرب مع داعش”.
أوضحت فالح، أن “مناهضة الانتحار تتم عبر إطلاق الحملة بقيادة درجات هوائية (البايسكل) لـ 30 شابة من مبنى المحكمة إلى فلكة المحافظة مع توزيع بوسترات تم تصميمها لهذه الغرض”، مبينة أن “الحملة تستمر لمدة شهر تتضمن نشاطات متعددة ورشات توعية نستهدف فيها الباحثات الاجتماعية في المدارس والشرطة المجتمعية ودراسة ميدانية تتضمن مقابلات للناجيات من الانتحار وعوائلهن لقياس اثار الانتحار على المجتمع”.
كما انتقدت الناشطة المدنية، “الدور السيئ لمجلس النواب لتأخير تشريع قانون مناهضة العنف الأسري وافتقادنا لمأوى آمن للنساء المعنفات في المحافظة”، داعية إلى “إيصال صوتنا للجهات الحكومية”.
يذكر أن مفوضية حقوق الإنسان، نشرت تقريرا عن معدلات الانتحار في العراق، إذ تصدرت فيه محافظة ذي قار القائمة بـ 119 منتحرا ومنتحرة، مرتفعة بذلك عن معدلات سابقة بنسبة 60 بالمائة.
وأضافت، أن 439 حالة انتحار مسجلة بشكل رسمي في العراق خلال عام واحد فقط، أغلب ضحاياها من الشباب توزعت بواقع 119 في ذي قار و76 في ديالى و68 في نينوى و44 في بغداد و33 في البصرة و16 بالمثنى و15 في ميسان و12 في واسط، فيما تراوحت طرق الانتحار بين الشنق والغرق واستخدام السلاح الناري والحرق.