صوتها/ وفاء الفتلاوي
جلست في ركن صغير من صالة المجلس، وصوت قارئة العزاء يصدح بالأذان ويميت القلوب حسرة على فقدان الاحباب، شاخصة بصرها على صورة معلقة وسط الحائط كتب عليها “اذكروني ..احبكم”، اخذت تتلفت من حولها فلا ترى سوى ملابس سوداء تتراقص قياما وقعودا وصراخاً ونعيق، وملامح غابت عن ارض الواقع لم يظهر منها سوى الوان باهتة تميل الى الصفرة اكثر من السمرة، وأطفال يبكون خوفا من تلك الوجوه البائسة.
وبينما هي تتلفت عادت بذاكرتها لحظة رنين الهاتف “الو.. خالتي اسرعي الى المستشفى”، هرعت وهي تركض نحو الشارع وقلبها كاد ان يتوقف خوفا من فقدان تلك الاحضان التي تشعرها بالأمان حتى من نفسها، فتعثرت مرة ثم أخرى والناس تنظر اليها بذهول وعيونهم تتسأل” هل هي مخمورة ام تتعاطى المخدرات؟”، حتى استندت الى باب المستشفى وهي تلفظ أنفاسها بين مصدق وكاذب.
واذا بصوت اجشم وشخير يصل صوته الى خارج الردهة، التفت قدميها وكادت ان تسقط على وجهها الا انها تمالكت نفسها واقتربت من صوت الشخير الذي يتعالى كلما اقتربت خطوات من سرير وضع بجانب شباك ابيض وستائر زرقاء منقوشة بالزهور رغم جماليتها الى انها تشعرك بالحزن، اقتربت اكثر من ذاك السرير الأبيض المغطى بالجلد الأسود ورائحة الديتول تعم المكان، فاذا بشقيقتها تناديها “هنا.. اقتربي هنا.. هنا يرقد جسد من أحببتِ.. هنا من سكنت روحها روحكِ.. هنا من اطعمتكِ في بطنها.. هنا من سالت دموعها من اجلكِ.. هنا من ناحت على فراقكِ ليلة زفافكِ.. هنا من حملت اول طفل لكِ، هنا من كانت تدعو لك بالشفاء.. هنا من كانت تصلي اطراف الليل واناء النهار.. هنا من احتضنت حزنكِ واستبشرت بفرحكِ.. هنا من لملمت فقركِ.. هنا من ناحت للزمان على ابيكِ..هنا من بكت من قهر الزمان عليكِ.. هنا من كانت تجالسك في وحدتكِ وتؤنسكِ في كربكِ..هنا الجنة وثراها.. هنا الدنيا والاخرة.. هنا الحياة والموت.. هنا قبلة الكعبة.. هنا……………. أُمي”.
جثت على ركبتيها، وعينها لا ترى سوى وجه شاحب وصدر مثقل واسلاك مرتبطة بيدها علها تعيد الحياة لذاك الجسد الهزيل والعينين الواسعتين التي اغمضت دون عودة.. اقتربت منها ورمت بنفسها بين احضانها واخذت تقبلها من راسها حتى اخمس قدميها وهي تقول” سامحيني”.