صدر عن مطبعة المعين ،أحدى المطابع في شارع المتنبي ببغداد ، كتاب بعنوان ” دراسات في اللهجات العربية ” للغوي العراقي الدكتور الراحل خليل إبراهيم العطية (1936 – 1998) , قام بجمعها وقدم لها شقيقه الباحث نبيل العطية.
يقع الكتاب في 220 صفحة من القطع الكبير , تضمن خمسة مباحث كان الراحل ينوي نشرها في كتاب قبل رحيله، حيث يعد الدكتور خليل العطية أحد الرواد في دراسة اللهجات العربية في العراق، وأهدى الباحث جهده هذا بوفاء أخوي نادر : ” إلى من علمني العربية ، وأنا تلميذ في المدرسة الابتدائية ، ومازلت أتعلم منه بالاطلاع على ثمار علمه المقطوفة من كتبه ومباحثه ، وأنا مسن في السبعين ،عسى أن يكون ذرة وفاء ، مقابل عطاء سخي”.
شمل الكتاب خمسة مباحث في اللهجات العربية هي: لهجة هذيل ، ولهجة طييء، وفي اللهجة الصنعانية ،ولهجة بني زبيد ، فضلا عن النحو في لهجة قيس. وقد نشرت أربعة منها في حياة المؤلف في مجلات (الخليج العربي) و(التراث الشعبي) و(المورد) ،أما المبحث الخامس فقد نشر بعد وفاته، كما أكد شقيقه، الذي رتب البحوث وفقا لتأريخ نشرها .
وأوضح شقيق الراحل في المقدمة التي فتتح بها الكتاب ان اهتمام خليل العطية بدراسة اللهجات العربية يرجع الى عام 1964،حين نشر بحثا في مجلة الاقلام العراقية بعنوان (لغة هذيل )، الذي لقي ترحيب وثناء المرحوم هاشم الطعان فوصفه بالاثارة والطرافة مبديا ملاحظات أخذت طريقها الى الجزء الثالث من المجلة ، نشرها باسم مستعار هو غسان نور الدين .
واضاف نبيل العطية ، في التقديم والمراجعة ، متناولا المنهج الوصفي الذي إعتمده الراحل في هذه الدراسات ، أو ماسمي بـ (المنهج الشكلي )، وهو منهج يعنى” بوصف اللغة بعيداً عن عن المؤثرات الخارجية، وهو منهج عربي متقدم، لسماع اللغة من أفواه أهلها، وقيدوا ملاحظاتهم، وخرجوا بإصول وقواعد وأحكام” ،وهو ما لم يستوعبه بعض الباحثين الذين ظنوا أنه يعني الوصف المجرد دون إبداء الرأي ، والتحليل، والتفسير ، متناسين “أن الوظيفة الأساس للعلم هي الوصف والتفسير”، ودليل ذلك ما تناثر من تفسير وتعليل ،وتأييد أو مخالفة لآراء جمهرة من الباحثين التي لجأ اليها الراحل بصورة واسعة.
وتوضح المقدمة الخصائص التي يوجزها ويجملها ، وفقا لرسالة ماجستير للباحث ماهر خضير هاشم ،والموسومة (خليل ابراهيم العطية وجهوده في اللغة والتحقيق): تفسير وتعليل الظواهر اللهجية صوتيا والعناية بالموضوعات النحوية ، والاهتمام بالظواهر الصرفية والربط بين العامية والفصحى مع رد العامي الى الفصيح ، والتصحيح اللغوي والتنبيه على بعض مظاهر التصحيف والتحريف .
واشار نبيل العطية الى كثرة الشواهد وشيوع المنحى الاكاديمي في هذه الدراسات التي تمثلت بالشواهد القرآنية والشعرية ، فضلا عن أن المنحى الاكاديمي اتضح في التوثيق بالاعتماد على أمهات المصادر بما فيها الحديثة وبيان الاختلاف بين القدامى والمحدثين ، والجدية في عرض المعلومات في حسن اختيار المقتبس والتعليق عليه، ومن ثم تلخيص المباحث في خاتمتها تسهيلاً لمهمة القاريء في الفهم والاستيعاب .
وبعد أن يتوقف عند المحتوى من حيث مستويات الاصوات والنحو والصرف ودلالة الالفاظ لهذه اللهجات ، يصل الى موقف القدامى والمحدثين منها وتوافقهم تجاها نتيجة موقفهم المتشدد إزاءها ، لينتقل الى اللغويين العراقيين وجهودهم في معالجتها اعتقادا منهم بأهميتها في الدرس اللغوي ، حيث رتبها على وفق أسمائهم.
ويوضح ايضا : هذا الكتاب قد يرى البعض أن جمع مباحثه ” جرى دون جهد ، على الرغم مما توحي به عملية الجمع من سهولة ويسر ” حيث يؤكد العطية نبيل: لم أطلع على مسودات هذه المباحث بخط صاحبها مباشرة ، معتمدا على ماطبع ، وفيه من الغلط المطبعي مافيه حيث استعان ب(المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم و(المعجم المفهرس لآيات القرآن الكريم) ، فضلا عن الرجوع الى معظم المقتبسات الواردة في ثنايا هذه المباحث نثرا وشعرا .
وهو ما يؤكد حجم الجهد المبذول والروح الاكاديمية والمهنية العالية ،التي أفضت الى أن يرى هذا الكتاب النور ويصبح في متناول المعنيين، بعد أن كانت مباحثه موزعة على أكثر من مجلة مع تقادم الزمن عليها وعدم امكانية أو سهولة ربما العثور عليها، حيث يعد الكتاب الثاني بعد وفاة مصنفه عقب كتابه ( الفكر الصوتي عند ابن دري والكوفيين ) المطبوع في عام 2008 ، وسيليه ( علم الصرف عند الكوفيين) .
وهذا ما سعى اليه شقيق المؤلف خليل العطية ، الذي أسدى خدمة فاعلة ومهمة للاجيال التي جاءت من بعده وهو راحل عنا ، وهذا ماتتسم به وتتمخض عنه ثمار العلماء والمفكرين الذين تخلدهم منجزاتهم الفكرية والعلمية ، لتصبح بصمات لا تزول على مر الاجيال والعصور، حيث ذيل الكتاب بمراجع ترجمة ودراسة ، الباحث والعالم والمربي الاستاذ الدكتور خليل العطية رحمه الله، مؤلف هذا الكتاب الذي لاغنى عنه للباحثين والدارسين في علم اللهجات العربية .
يذكر ان دراسة اللهجات العربية القديمة تحظى بإهتمام فريق من اللغويين المحدثين ، لما لهذه اللهجات من أهمية في تعرف جوانب من تأريخ اللغة وفهم قوانينها وإضاءة الغامض من ظواهرها ، لاسيما في العراق حيث يتواصل التأليف فيها .
في الغلاف الاخير ،جاء تعريف بالمؤلف الدكتور خليل العطية نقلا عن موسوعة اعلام العراق في القرن العشرين لحميد المطبعي قال في بعض ما قاله عنه (باحث في اللغويات ،ولد في مدينة الكوت بمحافظة واسط ،ونشأ في اسرة يحفظ ربها نصف ديوان المتنبي ويقرض الشعر ،ويعد اول من دعا الى ادخال علم الصوت في الاقسام العربية ومن اوائل من درس علم الدلالة في الدراسات العليا .