صبحي فحماوي
يقول الناقد العربي العراقي أ. د. نجم كاظم في كتابه “أمريكا والأمريكي في الرواية العربية”: وصفت الرواية العربية الأميركي بالشخصية القبيحة، وذلك لما يراه من عداء الولايات المتحدة للعرب، وتقديم الدعم كل الدعم للكيان الصهيوني- حسب قول الناقد (صفحة 49) – وذلك ما كتبه العراقي مهدي الصقر1987 في روايته “الشاهدة والزنجي” في حدث مركزي للرواية، هو قتل جندي أميركي في العراق لزميله الجندي. وكذلك الصورة القبيحة التي يرسمها للكولونيل في تعامله مع الفتاة العراقية، إذ يقول (في صفحة 55):
“ولكن ما الذي يجعله متحاملاً عليها بهذا الشكل كأنها قتلت أباه… ولكنها أدركت أن الكولونيل يكرهها، وأن مصيرها كله معلق بكلمة منه.”
ثم يقول: “شعرَت بقبضة الكولونيل مخلب حديد ينشب في لحم ذراعها ويمنعها من الحركة..”
“وبينما صارت الفتاة بين عذاب التحقيق وعذاب الفضيحة… تقرر الانتحار.. فعندها لن يستطيع الكولونيل أن يجبرها على تحقيق ما يريد.”
أما الروائي عبدالرحمن منيف، فيصور لنا الأميركي في روايته “سباق المسافات الطويلة” بـ “الشخصية المريبة”، إذ يقول (في صفحة 68): “إنهم يأتون على شكل سياح ورجال أعمال، ولكنهم يفعلون أشياء غامضة.. أشياء رديئة”.
وعن صورة المرأة الأميركية، التي تم اتخاذها رمزاً للغرب، وهذا نجده في أعمال روائية كثيرة، منها: “عصفور من الشرق” لتوفيق الحكيم، “الحي اللاتيني” لسهيل إدريس، “موسم الهجرة إلى الشمال” للطيب صالح، وغيرها كثير، بصفتها الأنثى التي يسهل الوصول إليها، بعكس المرأة العربية المتوازنة أخلاقيا واجتماعياً – حسب محمد أزوقة – في روايته “الثلج الأسود”.
وتعليقي الشخصي على ذلك أن المهندسة الأميركية تمارس حريتها الإنسانية الكاملة التي يسمح بها مجتمعها، بينما نجد أن ثقافة مجتمعنا العربي الإسلامي لا تسمح بمثل هذه الحريات. إنها قضية ثقافات مختلفة.
وتستمر صورة الأميركي القبيح في رواية أزوقة، “الثلج الأسود” حيث يصوره بأنه ضعيف البنية الصحية أمام العربي عموماً، إذ يكتب (في صفحة 95):
“رفع روبرت يده اليمنى ودفع بها سيعد جانباً، في تلك اللحظة كانت ركبة سعيد اليسرى ترتفع بقوة لتصدم روبرت في خاصرته اليمنى.. فسقط روبرت على ظهره.. لينتهي في خسارته وانكساره إلى الانسحاب مخذولاً ومسكينا..”
وهذه انطباعات شخصية متخيلة عن الأميركي، مقارنة بالعربي .. رسمها محمد أزوقة.. وهو حر في تصوره الذي قد لا يكون مطابقا للواقع، أو عكسه تماماً.
وسار مع هذا التيار الروائي يوسف إدريس في روايته القصيرة “نيويورك 80” في رسم شخصية المومس الأميركية التي تقدم نفسها ربما للسارد، بأنها “أنا ممن يسمونهن المومسات”، فيقول لها: “إني لمشمئز من حضارة تصعد إلى القمر، ولا زالت تنحط بجسدها إلى مدارك الرقيق الأبيض والأسود”.
يقول إدريس هذا، وكأن مجتمعاتنا العربية لا تعرف مثل هذه النساء ومن هو مثلهن من الرجال القبيحين.
وبينما يعرض د. نجم كاظم هذه الروايات كما هي بأمانة، ليعطي الانطباع الحقيقي لمفهوم الروائي العربي نحو المرأة والرجل الأميركي، أعتقد أن هذه المشاعر السردية في مثل هذه الروايات العربية، لا تنم عن معرفة وتجربة مع الشخصية الأميركية، بقدر ما تقدم نمطا مفهوماً خيالياً من الروائي العربي في فهمه للوضع الاجتماعي الرأسمالي الأميركي، حيث القيم هناك مختلفة.
لست منحازاً إبداً لمفاهيم المجتمع الأميركي، ولكنني أقول إن على الروائي أن يكون مجرباً ومتفهماً لثقافة المجتمع الذي يكتب عنه، سواء كان سلبا أو إيجاباً.
وكان الفصل السابع من الكتاب النقدي عن رواية “اللجنة ” لصنع الله ابراهيم، تحت عنوان “كافكا والكافكاوية عربياً” وهو الذي صار معروفا بـ “أدب اللامعقول” الذي خلق عالماً أسطورياً مرتبطا بعالمنا، حسب قول روجيه جارودي – والتعليق لنجم كاظم -ففي (صفحة 105) من رواية “اللجنة”، نقرأ مثلاً: “أنت تأكل نفسك” وتقرأ؛ “وهو يقف على رأسه” ويقول نجم إن صنع الله إبراهيم، – كما كافكا- يجسد حالة الخوف الإنساني ومعاناته في هذا العصر، أو في ظل أنظمة سياسية ليس للإنسان اعتبار فيها.
وبسخرية لاذعة يصف صنع الله بمفهوم عروبي أن “الدكتاتور العربي يمسك بالخيوط الأساسية لمستقبل الأمة، وهو الذي أوصى أعظم الشركات العالمية لإمدادنا بأحدث المنتجات من؛ حقائب السامسونايت، وحتى طائرات الجامبو. فحصلنا على مليون بدلة من مخلفات الحرب الفيتنامية التي تبرع بها الجيش الأميركي للفلاحين المعدمين في مصر، فوضعها الدكتاتور في مخازنه الشخصية، وباعها بدوره لعدد من التجار بمبلغ ستة ملايين جنيه.”
وفي الفصل الثامن من كتابه النقدي النادر النوعية، يكتب نجم كاظم بعنوان “الرحلة – أيام طالبة مصرية في أمريكا” لرضوى عاشور1987، بقوله: “حين نرسم صورة الآخر قبل أن نراه”. وهي في روايتها هذه تتخذ موقفا مسبقا من أميركا والأميركان، إذ تنتقي ما هو ضمنا ضد أميركا، حسب نجم كاظم، صفحة 124، إذ تظهرهم عنصريين، “كانت الفتاة الأميركية البيضاء ضائقة مني، متوجسة من لون بشرتي، من خلفيتي الدينية، من جنسيتي، كانت باختصار خائفة من مجرد (أنني أنا)، وأنني موجودة في هذا العالم. (صفحة 23 من رواية رضوى).
وفي اعتقادي ان الروائية القديرة رضوى عاشور كانت سباقة في كشف عنصرية الأميركان الذين كشف عنهم ترمب بمنتهى الحقد والوضوح، ولا تخفي انحيازها عنصريا للمصري والعربي والشرقي عموما، بل حتى للأفريقي إزاء الغربي وتحديداً الأميركي.
ويضيف الناقد نجم كاظم للروائية رضوى روائيين مثل عبد الرحمن منيف، ومهدي صقر، وإبراهيم أحمد وآخرين.
وأفرد المؤلف الفصل التاسع لرواية “شاي العروس”، للعراقية ميسلون هادي، حيث ركزت على تصوير شخص الرواية وهو يفرح باستعادة بصره، ولكنه يصدم بمشاهدة الموت والقتل والعنف في عراق ما بعد 2003، إذ أنه شاهد بشاعات لم يتوقعها، دمّرت مخزون الصور الجميلة في مرآه وفي مخيلته، فصار تعيساً إذ؛ “صار الموت يلعب لعبة الغميضة في الطرقات” حسب نص “ميسلون هادي”، “ألم يمت الطفل فادي بسبب طائرة ورقية، وعمته بسبب علبة ملح، وسائق التكسي بسبب قدح شاي”. (ص204 من الرواية).
في رواية “شاي العروس” نقرأ عن الذل والهوان بفعل الأميركي لقولها: “فيبادر المنتصرون لمصافحة المهزومين، فيزداد الأسير ذلا والآسر بشاعة..” (ص 179 من الرواية).