صوتها – بغداد
كتب مراسل صحيفة “الغارديان” مارتن شولوف تحقيقا، يتساءل فيه عن مكان زعيم تنظيم الدولة أبي بكر البغدادي، الذي اختفى عن الأنظار وأصبح مطاردا بعد انهيار تنظيمه.
وينقل التحقيق، عن مسؤولين أمنيين غربيين وإقليميين، قولهم إنه تم تحديد مكانه ثلاث مرات خلال الـ 18 شهرا الماضية، لكنه فرّ بسبب سوء التنسيق وعدم وجود الوقت الكافي، مشيرا إلى أن السلطات الأمنية الكردية كادت أن تظفر به عندما كان المقاتلون الأكراد يتقدمون نحو مدينة الموصل.
ويقول شولوف إن البغدادي كاد أن يقتل في تشرين الثاني/ نوفمبر، عندما كان يحرض جنوده من بلدة بين الموصل وتلعفر، حيث تحدث لمدة 45 ثانية على اللاسلكي المحمول، لافتا إلى أن الجواسيس استطاعوا تمييز صوته، إلا أن حراسه أخذوا منه المحمول ونقلوه إلى مكان آخر.
وتنقل الصحيفة عن عضو بارز في المجلس الأمني لإقليم كردستان، قوله: “تحدث مدة 45 ثانية قبل أن يأخذ حراسه منه اللاسلكي.. وبعدما اكتشفوا ما فعل”.
ويكشف التحقيق عن أن الجواسيس يلاحقون البغدادي ليلا ونهارا، حيث يبدو الآن معرضا للخطر رغم الدائرة الأمنية المحيطة به، مشيرا إلى أن الجواسيس تبعوه بسرعة إلى بلدة جنوب مدينة بيجي، ولم يتم التوصل إليه؛ لأن الخطأ نجم عن سوء في توصيل المعلومات لقوات التحالف.
ويرى الكاتب أن المعلومات التي جمعت من المحاولات الفاشلة أسهمت في تكوين صورة عن تحركات البغدادي، حيث “أنه مثل بقية القادة، فإن التحالف ينتظر خطأ في الحراسة للقضاء عليه، فالقادة الكبار في التنظيم قتلوا بعدما أدت أخطاء في انضباط الحراس حولهم إلى مقتلهم”.
وتورد الصحيفة نقلا عن هشام الهاشمي، الباحث الذي يكتب عن تنظيم الدولة، قوله إن “البغدادي هو آخر رجل لا يزال واقفا من الأعضاء المؤسسين للتنظيم، فمن بين 43 قياديا لا يزال البغدادي الوحيد الذي لا يزال على قيد الحياة”.
وأضاف الهاشمي، “من بين 79 قياديا بارزا في التنظيم لم يتبق منهم إلا 10 أحياء، أما قادة الوسط (124) فإنه تم تغيير مواقعهم وبشكل مستمر كل ستة أشهر؛ إما لأنهم قتلوا أو تم استبدالهم”، فكانت أخطاء القادة أو بعضهم أنهم تحدثوا عبر هواتف مراقبة حول لقاءات مرتقبة مع البغدادي، أو يعرفون عن تحركاته.
ويلفت التحقيق إلى أنه من بين الذين ساعدت شهادتهم على تكوين صورة عن عادات البغدادي، هي نسرين أسد بحر، زوجة “الوزير أبي سياف”، وهو المسؤول عن النفط، التي قالت إنها كانت تقوم “بوضع الشاي خارج الباب.. لكنني كنت أعلم أنه هناك، وكان يحضر بشكل منتظم”، مشيرا إلى أن نسرين، التي تعرف بأم سياف، كانت تعلم من نهاية عام 2014 حتى القبض عليها في أيار/ مايو عام 2015 بوجود البغدادي، وتعيش في بلدة العمر، في شمال شرق سوريا، حيث قالت: “كان يزور زوجي للحديث في أمور العمل، وكان كل شيء يتغير”.
وينوه شولوف إلى أن أبا سياف قتل على يد القوات الأمريكية الخاصة، وتم نقل نسرين إلى أربيل، حيث تعتقل هناك إلى هذا الوقت، مشيرا إلى أنها تنفي أنها اتصلت مع الزعيم، لكن المعلومات التي قدمتها إلى المحققين ساهمت في تكوين صورة عنه.
وتقول الصحيفة إن “الجواسيس البريطانيين والأمريكيين قاموا بإعداد صورة شاملة عن البغدادي منتصف عام 2015، وبعد عامين اختفت (خلافته)، ولم يعد يتحرك بشكل مستمر، وتعتقد المخابرات العراقية وأجهزة الأمن الأوروبية أن البغدادي يتحرك في منطقة قريبة من مدينة بيجي، وأنه تنقل بطريقة محدودة في البوكمال وعلى الحدود العراقية السورية والشرقات جنوب الموصل”.
ويفيد التحقيق بأن البغدادي أصيب بجراح بليغة بعد هجوم قرب الشرقات في بداية عام 2015، لافتا إلى أن البغدادي قضى سبعة أشهر وهو يتعافى من جراحه في بيجي، ولا تزال تحركاته محدودة بسبب جراحه حتى الآن.
ويبين الكاتب أن شهود عيان في البوكمال وصفوا البغدادي الذي قابلوه في احتفالات عيد الفطر بأنه بدا متعبا، ويبدو غير الرجل الذي صعد على منبر الجامع النوري في الموصل في عام 2014 ليعلن الخلافة.
ويتحدث الهاشمي للصحيفة قائلا إن “تنظيم الدولة عاد كما بدأ كحكومة ظل، ولا يزال يسيطر على أجزاء صغيرة من الأنبار ومنطقة نهر الفرات، ويتحرك ضمن خلايا نائمة، ولا يوجد شكل قيادي له، فقد تم حله، ولم يعد القادة يعقدون اجتماعات، ولو حدث ذلك فإنهم لن يعقدوه في المكان ذاته، ولم يعودوا يرسلون رسائل شفهية لبعضهم، ويستخدمون إشارات (تلغرام) للتواصل”، ويضيف الهاشمي: “خفضوا قوتهم بنسبة 50%، ولا يمكن الوصول إلى الميزانية الأصلية، ولم تعد القيادة المهمة”.
ويتساءل شولوف عما إذا كانت حياة البغدادي لا تزال مهمة للتنظيم، الذي خسر مناطقه كلها تقريبا، وأعدادا كبيرة من مقاتليه، ويجيب قائلا إن “استمرار حياة البغدادي هو شهادة على أن التنظيم لا يزال في عافية، فيما يقول المسؤولون الغربيون إن تهديد التنظيم لا يزال قائما، ويقولون إن الفرع المسؤول عن تنفيذ العمليات لا يزال كما هو ولم يتم تغييره رغم خسائره الفادحة”.
وتختم “الغارديان” تحقيقها بالإشارة إلى قول الهاشمي إن “تنظيم الدولة هو تنظيم معقد، يعتمد على مسؤولي استخبارات سابقين، ويقوم هؤلاء بالتجنيد ونقل المقاتلين وجمع الأموال والصدقات، ومن بين 35 فرعا للتنظيم فإن هناك 33 فرعا يديرها عراقيان، وهما: عبدالله يوسف الخطوري (أبو بكر) وأبو طيبة غانم الجبوري، ونعتقد أن واحدا منهما في تركيا والآخر في إسكندنافيا”.