كه يلان محمد
مع نهاية عام واستقبال عام جديد نتبادل التهاني والأمنيات مع الآخرين، إذ غالبا ما غالبا ما تكون الأمنيات والتهاني تعبرُ عما يهمُ الجميع كأن يعم الخير والسلام على العالم، وتسكتُ أفواه البنادق وتصدح حناجر الأطفال بالأغاني، بدلا من أن يخسروا سنوات البراءة في مناخ متخم برائحة الموت.
نعتقدُ هذا ما يناشدهُ كل من لم ينضب ضميره، بالطبع فإن لكل إمرئ أمنية شخصية قد لا تشغله عما هو مطلب للجميع، أكثر من ذلك قبل وداع العام الذي يلمُ لحظاته الأخيرة يحتمُ الموقفُ كجاري العادة استعادة ما عشناه وما أضفناه إلى حياتنا، وما بقي قيد الأُمنيات حتى الآن، الأمر الذي يختلفُ من شخص إلى آخر، وفقا لسلم الاهتمامات، ربما يختلفُ نوع الأسئلة وفقا لطبيعة الوظيفة والعمل. ما يشغلُ السياسي غير ما يفكر ويراجعه التاجر، ولا يوجدُ من يتحاشي جرد حساباته ويتغافل مهمة مساءلة الذات، وإذا فتشتُ عما شغلني خلال هذه السنة وما وضعتُه في مقدمة اهتماماتي، لا أرى شيئا شغلني أكثر من الكتب والقراءة، لكن ربما يسألُ سائل ما جديدك في هذا المجال، ماذا اكتشفت في مجاهل القراءة؟ هل اكتفيت بالعناوين يكتبُ عنها غيرُك ومشيت وراء اختيارات الآخرين، أو تحريت عن دروب جديدة وغامرت بقراءة عناوين من اختياراتك، وماذا أضافت لك الشبكة العنكبوتية على صعيد القراءة، بما هي كون موازِ يموجُ بالمكتبات؟ طبعا القراءة تفتح لك أفقا لصداقات جديدة، إذ تستفيدُ من خبرة من قضى عمرا أكثر في عالم الكُتب، إذن فالقراءة تنقيب لطبقات فكرية مجهولة ومحاولة للخروج من أسر الرؤية الأُحادية بمزيد من المحاورة مع أفكار مُغايرة، ومُعاينة عوالم مُختلفة، والانفتاح على عصر غير عصرك واستشراف لملامح ما هو مقبل، من هنا تأتي ضرورة جرد الحسابات بالنسبة لكل من لديه اهتمامات فكرية ومعرفية عن الكتب التي قرأها خلال السنة، والعناوين التي خلخلت أنساقا ثابتة، أو ألقت الضوء على أصقاع مُعَتَمة، كلما كان الحديث عن العناوين وقراءة الكتب أتذكر مقولة ميلان كونديرا صاحب «حفلة التفاهة»: إن الكتب كثيرة والعمر قصير. فعلا إنَّ عنصر الزمن يكتسبُ أهمية كبيرة في عالم القراءة، وهذا الإدراك للزمن لا يأتي إلا بعد التجربة، أضف إلى ذلك أن الانسياق وراء ما ينشر من اللوائح حول أكثر الكتب مبيعا أو قراءة قد يفرغُ عملية القراءة من مُتعة الاكتشاف، وإذا اقتنعت بما تراه في وسائل الإعلام عن الإصدارات الجديدة واكتفيت بما يقرأه غيرك، فهذا يعني أنك لن تستطيع التفكير إلا بالطريقة التي يفكر بها كل شخص سواك على حد قول هاروكي موراكامي.
من الكتب التي قرأتها في السنة الماضية وأخذتني إلى مدارها رواية الياباني يوكيو مشيما «البحار الذي لفظه البحر» وأتابعُ نتاجاته الأخرى وأفتشُ عن المزيد لهذا الكاتب. وعرفتني رواية «رواية الأفلام» للكاتب إيرنان ريبيلر لتيلير بسحر البساطة، إذ يتناول في عمله عشق رب أسرة بسيطة لمشاهدة الأفلام، ومن ثم تتحول الابنة إلى راوية لما تشاهده من الأفلام المعروضة وتتسع دائرة مستمعيها، إلى أن يصبح هذا العمل موردا للمعيشة. من المؤلفين الذين قرأتُ لهم أيضا ستيفان زفايج، وأنت تقرأُ روايات هذا الكاتب تشعر كأنك تحفر في الذات الإنسانية على مستوى أعمق. وآخر ما قرأت له رواية «رسالة مجهولة» الصادرة من دار مسيكلياني التي تتحف المكتبة العربية بروائع الأدب العالمي، كما استمتعتُ بقراءة ما سرده خوان مارتن غيفارا عن حياة أخيه الثائر تشي غيفارا بين دفتي كتاب معنون «أخي تشي» وأعجبتني سعة ثقافة الأخ الأصغر ووضوح نظرته، بقدر ما راعني زهد غيفارا بمباهج وبهرجة السلطة، ناهيك عن الحراك الثقافي القائم في بيئته العائلية. والمُؤلف الآخر الذي لا بد من أن أتوقف عنده هو «سيمون دي بوفوار وجان بول سارتر» للصحافية الإنكليزية هازلي رولي، هذا الكتاب يعزز لديك القناعة بضرورة وجود المثقف الملتزم والفعال لا مثقف الكنبة، الذي يكون عالة على حركة التاريخ. كما تعلمتُ من أرنست همنغواي ألا أتوقف عن الكتابة وأعزل هذا الأمر من كل مشكلات وأزمات حياتية خانقة، وتجولتُ مع كتاب أمين معلوف «مقعد على ضفاف السين» في تأريخ الأكاديمية الفرنسية وحياة من شغل المقعد التاسع والعشرين في هذا الصرح المعرفي، يصعب ذكر كل الكتب التي غذت نهمي المعرفي، حيثُ تعددت العناوين بين روايات ومؤلفات عربية ومترجمة. من الروايات العربية «مقتل بائع الكتب» سعد محمد رحيم ، «مترو حلب» مها حسن، «عشبة ضارة في فردوس» هيثم حسين، «بنت باشا» لينا هويان الحسن، «أخيلة الظل» منصورة عزالدين، «باغندا» شكري المبخوت، «يوليانا» نزار عبدالستار، «الكذابون يحصلون على كل شيء» علي بدر. فضلا عن ذلك استفدتُ كثيرا من «في صحبة الكتب» للكاتب العراقي علي حسين.
وما يجدر ذكره هنا أنَّ الكتب والروايات التي أخذتها من الشبكة العنكبوتية من خلال التطواف في المواقع، أو ما أرسله الأصدقاء صارت رافدا ثقافيا لا يمكن تجاهل ما يأتي منه، وثمة منْ لا يمكن الانقطاع عن قراءة مؤلفاتهم منهم، نجيب محفوظ الذي كلما أعدت قراءة رواياته يزداد إعجابي ببصيرته النافذة وفكره المتوقد، عدا صاحب «حرافيش»، أعدت قراءة «الخيميائي» للبرازيلي باولو كويلو الذي رغم غزارة مؤلفاته الروائية لكن تظلُ «الخيميائي» عمله المفضل بالنسبة لمُعجيبه.
وحسب رأي كونديرا حول ضيق الوقت وكثرة العناوين، ما يعني أن الوقت قد لا يسعك لقراءة كل ما حددته من العناوين والمؤلفات في ظرف السنة المُنقضية، غير أن ذلك لا يعني تجاهل تلك العناوين، بل كل ما في الأمر أن قراءته تأجلت لوقت آخر. ومن الكتب التي فاتني الوقت قبل أن أقرأها ما ألفته سفيتلانا أليكسييفيتش، ومحمود مسعدي، بول أوستر، رسائل كافكا، الغثيان، «معارضة الغريب» لكمال داود. وإن أمهل العمر والوقتُ ستكون هذه العناوين سالفة الذكر وغيرها فاتحة قراءاتي للسنة الجديدة. هنا لا بُدَّ أن أشير إلى أنَّ سلسلة المقابلات التي بدأت بإجرائها مع نخبة من الروائيين قد تستمر. في الختام نقول بأنَّ القراءة رحلةُ لا تنتهي كلما قطعت أشواطا ومساحات تجد امتداد مساحات أوسع.
شاهد أيضاً
افتتاح المعرض السنوي للنحت العراقي 2024
افتتح اليوم السبت ١٤ من كانون الاول ٢٠٢٤ على قاعة جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين المعرض …