المحامية علياء عبود الحسني
الطفل كائن ضعيف البنيان غير مكتمل النضج، وهو بحاجة إلى من يمنحة الأمن
والأمان ويتعهده بالرعاية، وبقدر ما تنجح الأمم والشعوب في رعاية أطفالها
وإشباع حاجاتهم المادية والنفسية والإجتماعية وتربيتهم على القيم والمثل
العليا بقدر ما تتكون أجيالاً متوزانة قادرة على العمل والخلق والإبداع.
وإنطلاقاً من قيم الدين والضمير والأخلاق فإن الطفل يجب أن يتمتع بأكبر
قدر من الحماية التي يستحقها لأنه يمثل مستقبل الإنسانية التي ينبغي أن
تقوم على العدل والرحمة والسلام. ومن هذا المنطلق أخذ المجتمع الدولي
مرحلة الطفولة في إعتباره عند بحث مسألة حقوق الطفل. فلم يكن من المقبول
أن يناضل المجتمع الدولي من أجل تقرير حقوق الإنسان، ثم يترك الأطفال وهم
أضعف أفراد المجتمع الانساني دون أن يمنحهم الحماية والرعاية. في اوقات
السلم والحرب، ومنذ فجر التاريخ والحرب حدث لازم البشرية في جميع العصور،
فقد حدثت حروب طاحنة قاست ويلاتها البشرية على مر الأعوام والقرون. وكانت
هذه الحروب- ولا تزال- تجتاح البلدان وتؤلم الشعوب، وتدمر معالم الحضارات
والثروات الوطنية، وتزداد قسوتها جيلاً بعد جيل بالنظر إلى التطور الهائل
في أسلحة ومعدات الدمار. وقد حرص الإنسان منذ القدم على وضع ضوابط عرفية
أو مكتوبة للحروب والصراعات والنزاعات المسلحة، حيث وجدت في جميع
الحضارات العظمى تقريباً منذ الزمن القديم والعصور الوسطى، قواعد مقيدة
لحق الغرماء في إلحاق الأذى بخصومهم، ويمكن أن نتتبع قوانين وضعت لحماية
بعض الفئات من الناس، في أيام الإغريق والفرس والرومان، وفي الهند والصين
القديمة، وفي الدول الإسلامية والمسيحية. شملت الفئات المحمية النساء
والأطفال والمسنين، والمقاتلين المجردين من السلاح، والأسرى، وحظرت
مهاجمة بعض الأهداف مثل أمكان العبادة، ومنعت استخدام الوسائل الغادرة في
القتال، لكن مع تطور وسائل القتال واختراع المدفعية والبنادق والذخائر،
لم تعد هذه التقاليد صالحة للتطبيق، وفشلت في التوافق مع هذه الوقائع
الجديدة، فقد نشبت حروب بين جيوش وطنية كبيرة استعملت فيها أسلحة أحدث
وأكثر تدميراً، تاركةً على أرض المعركة أعداداً مخيفةً من القتلى والجرحى
العاجزين.
أن الحروب المعاصرة تستهدف المدنيين بصورة متعمدة، وأصبح الإعتداء عليهم
في كثير من الأحيان يشكل عنصراً من عناصر الحرب واستراتجياتها حيث تؤدي
أشكال العنف التي تتخذها النزاعات المسلحة حالياً، وكذلك إستعمال الأسلحة
المتطورة في القتال، إلى الزيادة في عدد الضحايا بين السكان المدنيين،
وخاصة الأطفال. إن تأثير الحرب على الأطفال قد يكون مباشراً عند اندلاع
القتال، ومن ثم يجب إعمال كافة القواعد التي تحميهم من خطر العمليات
الحربية وقد يكون للحرب آثار محتملة،وللحرب تأثير غير مباشر على الأطفال،
فالحرب تقلل إلى حد كبير من النمو الطبيعي للأطفال، نتيجةً لإغلاق
المدارس والمستشفيات وإتلاف المحاصيل وتدمير الطرق وضياع الموارد وتحطيم
القدرات الإقتصادية للأطراف المتحاربة، وفقدان الأمان والإطمئنان والثقة
بالنفس، نتيجة للخوف والرعب الذي يتعرضون له في زمن الحرب ، إن مشاركة
الأطفال في النزاعات المسلحة هي أشد ظواهرها، والتي تثير القلق في الوقت
الحالي، فهي تلك الظاهرة التي إنتشرت في كثير من النزاعات حول العالم،
وذلك في مخالفة واضحة وصريحة لقواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني.
وتبرز حالة أخرى يحتاج فيها الطفل للحماية بشكل خاص ، و مع إبتكار أسلحة
جديدة خفيفة الوزن وسهلة الاستعمال بات الربح من الانترنت تسليح الأطفال أسهل وأقل حاجة
للتدريب من أي وقت مضى، خاصة الأطفال دون سن الثامنة عشرة في القوات
المسلحة الحكومية والقوات شبه العسكرية والميليشيات المدنية ومجموعات
متنوعة من الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة، حيث تستخدم الجماعات
المسلحة الأطفال لأن التحكم بهم في معظم الأحيان أسهل من التحكم
بالراشدين، فالأطفال يقومون بالقتل دون خوف ويطيعون الأوامر دون تفكير،
وللأسف أن أول ما يخسره هؤلاء الأطفال هو طفولتهم، سواءاً جندوا
بالإكراه، أم إنضموا إلى الجماعات المسلحة للهرب من الفقر والجوع، أم
تطوعوا لدعم قضية ما بصورة نشطة، وكثيراً ما يتعرض هؤلاء الأطفال للتجنيد
أو الإختطاف لضمهم إلى الجيوش، وكثيراً منهم لم يتعد عمره العاشرة، وهم
يشهدون أو يشاركون في أعمال ذات مستوىً مذهل من العنف، كثيراً ما تكون
موجهة ضد عائلاتهم أو مجتمعاتهم المحلية. ويتعرض مثل هؤلاء الأطفال لأشد
أنواع الخطر وأفظع أشكال المعاناة، سواء النفسية أو البدنية. ويزيد على
ذلك سهولة التأثير عليهم وتشجيعهم على إرتكاب أفعالٍ تبعث في النفس أشد
الألم، فهم يعجزون في كثير من الأحيان عن فهمها، فالحماية العامة مكفولة
للأطفال من خلال الصكوك العامة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني
من الإشتراك في النزاعات المسلحة، وخاصة الحماية التي توفرها إتفاقية
حقوق الطفل لعام 1989، التي صدقت عليها كل دول العالم تقريباً. وتتصل
المادة 38 من الإتفاقية مباشرة بحماية الأطفال المتأثرين بالنزاع المسلح،
وفي ظل هذه الخلفية وعلى ضوء الوعي والإهتمام المتزايدين داخل المجتمع
الدولي بالمحنة القاسية للأطفال المتضررين بالنزاعات المسلحة، أتُخِذت
مبادرة في إطار نظام الأمم المتحدة بعد سنوات قليلة فقط من دخول إتفاقية
حقوق الطفل حيز التنفيذ من أجل رفع الحد الأدنى لسن التجنيد والإشتراك في
الأعمال العدائية إلى 18 سنة.
وتعد الاتفاقات التالية حسنت كثيرا من حالة الأطفال وهي:
• أربع
اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية
• اتفاقية حقوق الطفل (CRC)؛
• البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في
النزاعات المسلحة؛
• اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو
العقوبة القاسية أو اللاإنسانية والمهينة؛
• الاتفاقيات المتعلقة بوضع
الأشخاص عديمي الجنسية، وبشأن خفض حالات انعدام الجنسية؛
• نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية؛
• اتفاقية حظر استعمال وتكديس وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد
وتدمير تلك الألغام (معاهدة أوتاوا)؛
• اتفاقية منظمة العمل الدولية 182 بشأن حظر والإجراءات الفورية للقضاء
على أسوأ أشكال عمل الأطفال؛
• الاتفاقية المتعلقة بوضع اللاجئين
والبروتوكول الإضافي، فضلا عن المبادئ التوجيهية بشأن التشرد الداخلي؛
•
البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال وبغاء
الأطفال والمواد الإباحية عن الأطفال؛
• اتفاقية القضاء على جميع أشكال
التمييز ضد المرأة
• الأمم المتحدة قرارات مجلس الأمن 1261 (1999)، 1265 (1999)، 1314
(2000)، 1296 (2000)، و1379 (2001)؛
• المعاهدات الإقليمية مثل مافي استخدام الأطفال كجنود (22 أبريل 1999)،
الميثاق الأفريقي لحقوق ورفاه الطفل وإعلان مونتي فيديو بشأن استخدام
الأطفال كجنود (8 تموز 1999(
ولو نظرنا لأحوال الأطفال في عالم اليوم لوجدنا أن المجتمع الدولي بقدر
ما أعطاهم هذه الدعم القانوني، وهيأ لهم سبل التمتع بالتقدم العلمي
الهائل، فإن الحروب وحدها كفيلة بضياع حقوقهم، إما بسبب إنهيار البنية
الأساسية للدول المتحاربة وتوجيه معظم إقتصادها لصالح العمليات الحربية
وهو ما يعني أن الأطفال يدفعون ثمن الحرب من نموهم، والسبب الأشد قسوة
على الأطفال هو عدم إلتزام الأطراف المتحاربة بقواعد القانون الدولي
الإنساني المعمول بها بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب ، لذك يجب النظر
بعين المسوؤلية والواقعية وابعاد الاولاد الصغار والاطفال عن كل اشكال
التسليح والحرب والنزاعات وان كان الخطر المحدق يحتم رفع السلاح لكن يجب
ان نتذكر ان هؤلاء ليسوا سوى اطفال.